غداً تورق الأشجار وتغادر جرحك يا صديقي، بعد أن طالت المسافة بين الخيول وبين الصهيل، غداً ينطفئ غضب الماء ويبيعون بكاءك على قارعة الطرقات، ويضحك عشب نافذتك على إيقاع فراشة هربت من حقل مسحور، غداً تتسلق أسوار المدينة لترقص كالقمر الحافي وتمد كفوفك للمطر المتساقط من غابات الشمس، وغداً تنسى الوجع الدامي وتذيب الريح بقايا أغنية يابسة ضاعت في عتمة بيداء غنتها حنجرة قاحلة في وجع القيظ، يا أنت: سيصبح موالك أشرعة بيضاء تقهقه كالموج الراعش في حلق البحر، فجراحك أضحت آنية لزهور الحب، وهمومك فرحا يتدلى كوريد الليل، وعذابك سجفا مزقها خفق الأحلام، ودموعك ضوءاً يتسلق صمت الشرفات، ويدق على الأبواب لكي تزهر في الدرب شموع، ويفيض الصدر بدفء العمر بدفء الأرض وقد نبتت طلعاً وبهاء، ومنابع فرح يتوهج كبروق الليل، أخرج من ثوبك ثوب الحزن لتغسل وجه المصباح، وتضاحك طفلاً يتهجى عذب الكلمات ويصب نعاس براءته قارورة عطر، يا أنت: اسفح من عمرك ظمأ البيداء، واملأ بغنائك قدح الأشواق، واحمل بيديك أباريق الحب لتسكبها عبقاً من نور، يا أنت: أغلق نافذة الأحزان، فالقلب المتجعد يحلم بالرقص كضفيرة مهر راكضة في نهر الريح، عيناك قوافل من أرق عذبها السهد، أنفاسك أسراب حمام طاردها اليأس، فلماذا لا تطفئ جمر البركان؟ وتخبئ جرحك كالعوسج تحت الجدران، وليمض النهر إلى مجراه ليروي سنبلة عطشى، يا أنت: اسمع تمتمة الأحلام تناديك لتطوي خيمة أوجاعك، ولتبصر حادي الأقمار يهز حبال العمر، عقيق الأيام، هديل الصيف، وبوح السجع الهاجع في حلق الطير، لينثرها عشقاً بدوياً فوق الطرقات، املأ بنشيدك ساقية النبع كي تثمر فردوساً من ورق الحور، وحفيف قلوب منهكة تأبى الخيبات، يا أنت: أوراق العمر المخبوءة خلف الأسوار تبحث عن كوة فرح مسكنه أضلاع الروح، أمهله اللحظة يسترق الشمعة كي يشعل وجه العتمة وهشيم الأشجار العمياء، حين تمشطها ريح البحر والسحب المثقلة الحبلى، فتؤرجح قمراً عسلياً يكسو الملكوت، يا أنت: ما أعذب مطر الدهشة، رنات الضحك الأبهى، حمحمة الحلم الجامح، ابدأ بغنائك كي تهتز عروق البرعم، وذؤابات الشجر النائم في مفترق الوقت، اخلع عن كتفيك عباءة هذا الشؤم ومزق من دفتر أيامك شوك الأرصفة السوداء.. الشمس ستشرق يا معصوب العين، حزين النطفة والتكوين، فلماذا لا تبصر هذا الضوء السابح في ردهات الأرض؟ ولماذا ينهشك غراب المقت المسموم؟ لتهرم كالخفاش الأعمى، أو كالبوم الصارخ في قاع البئر.