من يأتي إلى الأحساء، ويسلك الطريق المؤدي إلى المنطقة التاريخية في وسط مدينة الهفوف، يستوقفه بإلحاح مبنى "الدروازة" الأثري، وهي البوابة المؤدية إلى شارع "الحداديد" الشعبي، أو كما يحلو للبعض تسميته بشارع "الحدادين"، نسبة إلى حرفة الحدادة قديما، وهو من أقدم الشوارع التجارية في المدينة، ولا يزال ينبض بالحركة الشرائية الكبيرة يومياً، ومنذ الوهلة الأولى من دخولك لهذا الشارع العريق، تعيش الحياة القديمة التي كانت تشهدها الأحساء في أزمنة سابقة.
ويشير أحمد الحدب "أحد كبار السن" إلى أن هذا الشارع يمثل جزءا كبيرا من "تراث" الأحساء، والزائر له، يكسب معارف كثيرة عن ماضي الأحساء، والحركة التجارية فيها، ويطلع على منتجات الحرف القديمة، بجانب احتفاظ ببعض "الدكاكين" الشعبية، التي تمارس بعض الحرف الشعبية، التي كانت تشتهر فيها الأحساء سابقا، والزائر لهذا الشارع حتما سيستمتع وهو يتنفس عبق الماضي في جو ملبد برائحة العود والبخور من دكاكين "العطورات" ورائحة الهيل والزعفران والقهوة العربية من دكاكين المواد الغذائية المنتشرة على طول الشارع، لافتا إلى أن طوله لا يتجاوز 300 متر إلا أنه يصور ماضي الأحساء تجاريا ببساطتها المعهودة.
وأكد علي القطان "بائع في أحد دكاكين الشارع"، أن معظم أصحاب الدكاكين في هذا الشارع متمسكون بدكاكينهم، ولا يفكرون في بيعها أو تركها لنجاح الحركة التسويقية في الشارع، إذ إنه يستقبل يوميا وفودا سياحية أجنبية من مختلف دول العالم، يحرصون على شراء التحف والمنتجات والصناعات التقليدية المتوفرة في السوق، بجانب حرصهم على التقاط الصور مع الباعة وتصوير الدكاكين.
وأضاف القطان أن الكثير من السائحين يبلغون زملاءهم بزيارة هذا الشارع، والبعض منهم يأتي إلى هذا الشارع خصيصا، ويطلب مقابلة أحد الباعة باسمه ليذكّره بزيارته السابقة أو زيارة زميل أو صديق له في وقت سابق، مبينا أن جهات الاختصاص في أمانة الأحساء، بدأت في تنفيذ بعض الإصلاحات داخل الشارع، ومن بينها إغلاقه أمام حركة المركبات، وتحويل ممره للمشاة فقط، ورصفه بالكامل وزراعة بعض الأشجار إلا أنه بحاجة إلى أعمال نظافة مستمرة، وتكليف فرق يومية بغسيل وشطف الشارع بعد إغلاق الدكاكين في الفترة المسائية، وتنفيذ دورات للمياه قريبة منه لخدمة مرتاديه للرجال والنساء، وتزويد الشارع بأنابيب لرش "رذاذ" الماء في أيام الصيف لتلطيف الجو.
وذكر حسن الحجي، أن الشارع بحاجة إلى المزيد من التنشيط السياحي والاستفادة من تجارب دول أخرى في تنفيذ البرامج السياحية في الشوارع التراثية والقديمة، وتحويله كموقع سياحي نشط، إذ إن شارع "الحداديد" لا يقل إمكانات عن الأسواق المشابهة له، إلا أن شارع "الحداديد" في الأحساء الذي يستقبل أفواجا يومية من السائحين، لم يشهد تنفيذ أي فعالية سياحية تذكر بالرغم من حرص السائحين على زيارته والشراء من دكاكينه لجودة بضائعه وانخفاض أسعارها، مطالبا الجهات المعنية في الهيئة العامة للسياحة والآثار الاهتمام بهذا الشارع كموقع تراثي، جدير بتنفيذ الفعاليات التراثية والسياحية لحماية وإحياء ونشر التراث الأحسائي بشكل خاص والسعودي بشكل عام، إذ يمثل بكل تفاصيله "ذاكرة" للأحساء قديما.
وبدوره، أكد أمين الأحساء رئيس المجلس البلدي المهندس فهد الجبير لـ"الوطن"، أن أمانة الأحساء تتعامل مع الوسط التاريخي لمدينة الهفوف كأحد أهم عناصر الجذب السياحي للمنطقة، فضلا عن الثقل التجاري، وهذا الأمر يتضح من تبنيها لبرنامج تطويري للمنطقة المحيطة بالقيصرية وإثرائها بالرموز المعمارية الداعمة لهوية المكان المعمارية والحضرية، ومن تلك الرموز إعادة بناء دروازة "الحداديد" وغيرها من المعالم ذات القيمة البصرية اللازمة للجذب السياحي، موضحا أن واجهات المباني بشارع "الحداديد" ستحظى بالاهتمام لتأخذ الطابع المعماري المحلي "الموحد"، ويتضمن تعديل الواجهات الحالية للمباني القائمة ومحاولة تعديلها بإدخال العناصر المعمارية المحلية.