يوسف عبدالرحمن آل حازب
أحزن كثيرا عندما أرى وأسمع وأقرأ الكثير من النقاشات، التي تدور في صحفنا وفي لقاءاتنا الفضائية وصفحات التواصل الاجتماعي، إنني أجد أن مبدأ "إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" يتلاشى ويضمحل، بل يفنى في خضم التعصب المقيت للآراء. وكلما أتابع نقاشا أجده سرعان ما يتحول من إيضاح الحقائق إلى شخصنة الموقف. وتنبري فكرة "إن لم تكن معي فأنت ضدي"، بل يتطور الأمر إلى وضع التصنيفات والتقسيمات، وتحوم نظريات التخوين، وتتقافز عبارات الازدراء تبعا للمذهب والعرق، بل تزداد إلى احتقار المناطق وتصنيفها بدرجات متفاوتة، وكأننا نسكن درجات الجنة، وتغافل جميع المتناظرين أن الهدف من تلك النقاشات ليس إعلاء مذهب أو فرقة أو وجهة نظر، أو حتى تميز بقعة على وجه الأرض لا تملك من المقومات ما يجعلها جنة الله في أرضه، كما أنها لا تملك تبرا يتهافت الناس لاستغلال معادنه النادرة، والتبرك بصخوره وقيعانه. الهدف الأسمى هو البحث عن الصواب وامتثاله، حتى وإن خالف هوانا وكبح جماح شهواتنا وضبط كلامنا.
ليتنا نرى صدقا من يهدينا النصيحة؛ لأنه يحبنا لرابط الأخوة الإسلامية، وليس لتحقيق ما تبوح به تصرفاته فيما بعد، ليتنا نحسن الظن بالآخرين، ونحمل كلامهم على محمل الباحث عن الحق، ونتعامل معه كما تعامل المصطفى عليه السلام مع كفار قريش في بداية الدعوة، دعاهم باللطف وناشدهم بكل الروابط التي كان من المتوقع أن تؤثر فيهم لقبول الحق. فما بالك بنا ونحن مسلمون! نحن نعيش حالة من التنافر الديني والثقافي والاجتماعي. أصبحنا نفرض ـ وبكل قسوة ـ أفكارنا، ونرغم الجميع على تقبلها بكل غطرسة وتكبر، تجعلنا نشعر بالحنق والكراهية لكل مستبد برأيه، ونسينا أن علينا كي نصلح الآخرين، أن نبدأ أولا بإصلاح دواخلنا، وترميم أفكارنا تبعا لديننا الذي اختاره الله لنا، ورضينا به دينا نلقى المولى به، وعندها سوف تصمت أفواهنا، التي ما فتئنا نقذف من خلالها أفكارا، وأطروحات، وعبارات ملونة تبعا لأهوائنا وانتماءاتنا الفكرية، وستنطق جوارحنا، وجلودنا، وحواسنا كلهـا، وعـندها لن نستطيع أن نصمتها..
فهل أعددنا لذلك اليوم؟.