تكاد الدنيا بأسرها لا تسعنا فرحا بحلول شهر رمضان، شهر الخيرات والغفران. ليلة سعيدة قضيناها مع أسرنا احتفاء بهذا الضيف الكريم. لكن وسط هذا وذاك يجب الا تنسينا فرحتنا من كان له الأثر البالغ في استمرار هذه السعادة. أناس قدموا أرواحهم لأجلنا ولأجل الوطن. إنهم شهداء الوطن.
هذه الليلة توجب علينا أن نعصر قلوبنا سويا حزنا على فراقهم، فالوطن ينظر إليهم بعين التقدير والإجلال نظير ما قدموه. في هذه الليلة المباركة سيتذكر كل حبيب من أسر شهداء الواجب حبيبه الذي كان يصوم معه ويقوم رمضان في كل عام. تتذكر الزوجة رفيقها الذي كانت تعد له أنفس الأطعمة. تتذكر الأم ابنها وقرة عينها الذي كانت تأنس وتسعد وهي تقضي ساعاتها معه. يتذكر الأبناء والدهم وحبيبهم يوم أن كانوا معه على مائدة الإفطار والسحور.
هذه الليلة توجب علينا إطلاق دعوات من جديد لاستذكار أمجاد وبطولات شهدائنا وألا ننساهم. صحيح أن الدولة قدمت الكثير لأسرهم في تسديد ديونهم وترقيتهم واحتواء أبنائهم. إلا أن الأنظار تتجه إلى المطالبة بفتح المجال بشكل أكبر أمام المواطنين للمشاطرة في هذا الفضل وتوسيع دائرة المشاركة الاجتماعية لتكريم ورعاية أسر الشهداء. ففي هذا رسالة لتعزيز المواطنة، إضافة إلى كونه سلواناً وعزاءً لذوي الشهيد.
من منا يعرف أسماء الـ 79 شهيدا الذين فقدناهم في مواجهة الفئة الضالة؟ من منا يستطيع استذكار 122 شهيدا الذين علت أرواحهم في حرب الخليج؟ من منا يحتفظ بأسماء الـ 80 شهيداً الذين توفاهم الله في الحد الجنوبي؟ من منا يعرف مآثر شهداء الدفاع المدني الـ 64؟ كم هو جميل أن نرى مدرسة في حفر الباطن علق عليها اسم الشهيد فهد عبدالعزيز المحيميد الذي اقتحم النيران لإنقاذ العمالة الآسيوية خلال الأيام القريبة الماضية مما أدى إلى وفاته. وكم هو جميل أن نرى في لوحات المراكز الصحية أو الحدائق بظهران الجنوب اسم الشهيدين الملازم أول محمد سعيد القحطاني، والجندي حسين علي حسن الزبادين اللذين استشهدا في مواجهة مع عدد من المهربين.
إن الدعوة تمتد إلى تكريس أسماء وبطولات هؤلاء الرجال في ذاكرة أبناء هذا الوطن من خلال برنامج وطني شامل لإحصاء جميع الشهداء في شتى القطاعات ومن ثم تسجيل أسمائهم على المرافق الحيوية وفتح المجال أمام المواطنين للمساهمة في إكرام أسرهم، فمحاولة إنقاذ حياة الآخرين أو مواجهة المتسللين أو المهربين لا تقل خطورة عن مواجهة الفئة الضالة وجميع أعمالهم تصب في حماية الوطن. رحم الله شهداء الوطن وأسكنهم فسيح جناته. قولوا آمين.