انتهى موسم الحصاد التعليمي بنهاية العام الدراسي الذي بذل فيه المعلمون والمعلمات والطلاب جهوداً مضنيةَ.. هذه الجهود لا شك أنها تثمر بتحقيق خطوة مهمة للطلاب والطالبات الذين ينتقلون لمرحلة تعليمية أعلى.. مناسبة هذا المقال فقط أن نقول لهم شكراً.. شكراً من الأعماق.. ويأتي ذلك في سياق التقدير الذي يجب أن يحظى به المعلم من المجتمع، والاعتراف بفضلهم، بعد الله، على المجتمع .. فهذا بعض حقهم.. لتشجيعهم ودفعهم لمزيد من العمل ومزيد من الإنتاج.. فهذا بعض حقهم علينا.. وبهذه المناسبة أعيد نشر رسالة كتبتها معلمة لزميلاتها .. وقد تأثرت بالرسالة لأنها تتضمن الجهود المضنية التي يقوم بها المعلمون والمعلمات وتتضمن العواطف المتدفقة التي يغدقها المعلمون والمعلمات على مستحقيها من الطلاب الذين يفتقدون الحنان والعطف والرعاية بحكم الظروف التي يمرون بها.. وتقول المعلمة في رسالتها:
شكراً لكم لأنكم معلمون..
شكراً لكم لاستثماركم وقتكم ومواهبكم في تدريس الطلاب بالرغم من توافر فرص أخرى لكم أقل جهداً وفيها راحة أكثر ودخل أكبر وظروف عمل أفضل واحترام أجَل من قبل فئات المجتمع..
شكراً لكم لموافقتكم على التعرض لاختبارات أكثر لقياس قدراتكم بالرغم من إكمالكم سنوات الدراسة الجامعية بما فيها من اختبارات..وجهد..وسهر وعمل..
شكراً لكم لاستمراركم في البحث عن المهارات العالية المستوى لتدريس طلابكم وتدريس المحتوى الأكثر حداثة كل عام، وما يتطلبه ذلك المحتوى من تطوير بعد تطوير بعد تطوير وما يتوقف على ذلك من متطلبات تقومون بها بنفس راضية.. ودون طلب وقت إضافي لتدريسها.
شكراً لكم لاستيقاظكم الساعة الخامسة صباحاً أو السادسة صباحاً كل يوم لتذهبوا إلى غرفة تتطلب جهداً كبيراً وعناية فائقة وفكرا عاليا، وقد لا تكون ظروف الإضاءة والتكييف والتأثيث والتهوية بالمستوى المطلوب والمريح.
شكراً لكم لاضطراركم كل يوم لتناول بعض الوجبات الملفوفة بالورق على كراسي متواضعة.. تجدون في أدوات تجهيز الأكل والشرب المتواضعة متعة.. ومعاملة جيدة وبذخا..
والدورات التدريبية واجتماعات اللجان.. واجتماعات التطوير والتغيير.. ومجالس الآباء والمعلمين ومؤتمرات الآباء الخاصة بتطوير أبنائهم وبناتهم واجتماعات مجلس إدارة مدارسكم واجتماعات التطوير المستمر.. وكل ذلك خارج وقت عملكم.
شكراً لعملكم ساعات كثيرة لا تُعد ولا تحصى بدون بدل خارج دوام لشعوركم أن هذه هي الطريقة الوحيدة لإنجاز عملكم.. ولعدم قدرتكم على تحمل الإخفاق..
شكراً لكم لعدم تذكيركم الناس بشكل مستمر بأنكم لن تتركوا العمل والاجتهاد فيه وتحقيق الإنجاز إذا لم يدفع لكم بدل خارج دوام نظير ما تقومون به من أعمال وإعداد ليومكم المدرسي.
شكراً لكم لاحترامكم الدائم لطلابكم الذين لايعرفون كيف يقدرون هذا الاحترام ولا ما يفعلون به، ولا يدركون قيمة الهدايا الدائمة القيمة (وتقصد تعليمهم وتنمية فكرهم) التي تقدمونها لهم ..
شكراً لكم لاهتمامكم بطلاب لا تهتم بهم عائلاتهم ولاتشعرهم بالاهتمام.
شكراً لكم لشراء الأقلام والأدوات التدريسية والملابس لمساعدة طلابكم ولظهوركم بالمظهر المناسب وأداء عملكم بالمستوى المطلوب وذلك من مالكم الخاص..
شكراً لكم لهروب النوم من عيونكم ليالي طويلة قلقين على نوع من الطلاب يجاهدون أنفسهم في سبيل التعلم، تفكرون في كيفية مساعدتهم.. خائفين عليهم مما سيعترض طريقهم في المستقبل من صعوبات الحياة ومشاكلها، محاولين إيجاد الطرق والأساليب التي تكفل لهم تخطيها ..
شكراً لكم لاقتحامكم أماكن حفظ ملابس أبنائكم وبناتكم للبحث فيها عن حذاء أو ملبس لطفل أو لطالب في المدرسة يفتقر إليها..
شكراً لكم لتعليق احتياجات عائلاتكم، وبعضها ملح، لصرف الوقت مع عائلة ابن أو ابنة يعانيان من صعوبات التعلم، تحاولون إيجاد السبيل لحل مشكلات تعلمهما.
شكراً لكم لإيمانكم بقوة التعليم في إحداث التغيير في الحياة ..
شكراً لكم لمحافظتكم على قناعاتكم بأن كل الطلاب يستطيعون التعلم إذا استطعتم أنتم التعلم كيف تعلمونهم.
شكراً لكم لتحملكم التعايش مع آلام الظهر ومع صرير الركب ومع السيقان المتعبة.. والأقدام المتورمة التي تلازم مجال التدريس الذي تعملون فيه..
شكراً لكم لشحن الأطفال اليائسين بالأمل الكافي ليستمروا في الكفاح ضد السلوك المنحرف بكل أشكاله، فهم في أمس الحاجة لكم ولرعايتكم ولمتابعتكم ولنصحكم ولنجاحكم في إنقاذهم وتخليصهم والعبور بهم إلى مصاف الناجحين الآمنين المستقيمين..
شكراً لكم لكل لمسة حنان تغدقونها على طفل أو طفلة هو وهي أشد ما يكونان حاجة لها.. فقداها بسبب القدر.. أو أسباب أخرى دنيوية.. كان لها الأثر الأكبر على نجاحهما وتفوقهما وإنقاذهما من الغرق في بحر الكآبة واليأس..
شكراً لكم لتحجيم ألسنتكم والعد إلى مليون وأنتم تسمعون ولي أمر طالب يسرد لكم الأسباب في أن عدم قدرتكم وقلة إمكاناتكم وعدم بذلكم الجهد الكافي هي أسباب سوء سلوك ابنه أو ابنته.. وقلة أدبه.. وسوء تحصيله.. ودلاله وفشله.
شكراً لكم لواحدة من أكثر الوظائف تحدياً وإرباكا وتثبيطاً وإجهادا ذهنياً ونفسياً وعاطفياً، وواحدة من أكثر الوظائف رضاءً ونفاسة وأهمية وروعة في العالم ..
شكراً لكم فقط لأنكم معلمون ومعلمات.. إنكم الأبطال الذين لا غنى للوطن عنهم.. لكم كل التقدير وكل الاحترام وكل الشكر والامتنان" ..
هذه الرسالة المؤثرة للمعلمين تكشف حجم المهام الجسام التي يتحملها المعلمون وتكشف حجم التقدير الذي يجب أن يحظوا به ..
من الذي لم تدمع عينه عند قراءة بعض فقراتها.. تعاطفاً وحباً وإعجابا وتقديراً لما يقوم به المعلمون والمعلمات..
وخلاصة القول: أيها المربون الأجلاء هذا الوقت الذي تستمتعون به في إجازاتكم اجعلوه فرصةً للتأمل والمراجعة والتفكير الهادئ في مهنتكم.. في رسالتكم.. التأمل والمراجعة والتفكير في كيف تنهضون بالأمة.. فبضاعتكم هي أنفس وأغلى بضاعة.. إنها تربية الأجيال.. وإعداد الأجيال.. وبناء فكر الأجيال..
لا تربية إذا لم تربوا..ولا إعداد إذا لم تعدوا..ولا بناء فكر إذا لم تبنوا.بشكل هادئ ومطمئن وخال من الضغوط، فكروا في قدسية مهنتكم وعظم رسالتكم ليكون كل ذلك عوناً لكم، بعد الله، لتقديم عمل أفضل في الأعوام القادمة..
وفقكم الله وسدد خطاكم أيها الأحبة المعلمون والمعلمات.