في مقالة الجمعة الماضية، كتبت عن الشاب الذي أصر على استدعاء البلدية عندما وقف بنفسه على مشهد يتنافى مع أبجديات النظافة في أحد مطاعم الرياض، ومن قصة ذاك الشاب قلت إن التغيير نحو الأحسن وللوصول إلى أفضل ما نبتغي لا يمكن أن يتحقق ما لم نشارك كأفراد في هذا التغيير دون الاعتماد فقط على الجهات ذات العلاقة التي، مهما بلغت جهودها ومهما حرصت وأخلصت في العمل، لن تتمكن وحدها من التطوير والتحديث وتطبيق الأنظمة، حتى وإن مارست حقها النظامي في فرض العقوبات على بعض المخالفات.

ومما قلت إن أحد أسباب تأخر التغيير هو أنانيتنا وعدم حرصنا على المشاركة في فرض النظام من خلال منع المتجاوزين وغير المبالين من التمادي في فعل ما يفعلونه.

وقبل يومين، اطلعت على مقطع فيديو لشاب معاق كان يتحاور مع عسكري، معترضا على وقوف ضابط يعمل في الجوازات في المكان المخصص للمعاقين، وقد قام الشاب بتصوير حواره مع العسكري وبعلمه ليوثق المخالفة التي ارتكبها الضابط، متسائلا كيف لرجل في هذه المرتبة يخالف النظام ويقف في مكان مخصص للمعاقين؟! قائلا: "ها أنا أبحث عن موقف منذ ساعتين ولم أجد بسبب التصرف غير المسئول من هذا الضابط"؟

وبمثل ما أعجبني (شاب المطعم) أعجبني (شاب الجوازات) المعاق الذي بفعله هذا تجاوز الألوف من الأصحاء ممن بيدهم عمل الكثير نحو التغيير، لكنهم لم يفعلوا تحت حجة (فك نفسك) أو (مالي شغل)، لكنهم هم أنفسهم ليلا ونهارا يشكون من الوضع ويتذمرون من كل شيء، ولكنهم عندما يواجهون مثل هذه المواقف السلبية يكونون مثلها في السلبية واللامبالاة.

وفي مشهد الفيديو نفسه، لم يتمكن العسكري من محاورة الشاب المعاق والرد عليه بما يبرر فعل الضابط المخالف، وبالتالي استخدم سلطته مهددا الشاب المعاق قائلا له: "هات إثباتك"، ولست أدري ما علاقة الإثبات بما يشكو منه ذاك الشاب؟ وما علاقة الإثبات بالخطأ الذي ارتكبه الضابط وليس الشاب المعاق؟

سالفة "هات إثباتك" جعلتني أتذكر أنه قبل عدة سنوات وقبل أن يصدر قرار إلزامي بمعاقبة من يخالفون قانون منع التدخين في المطارات قلت لعسكري في جوازات مطار الملك فهد بالدمام بعد أن شاهدته يدخن "ينبغي ألا تدخن، لأن التدخين ممنوع في المطارات، فضلا عن أنك عسكري وبالتالي ينبغي أن تكون قدوة لنا "فكنت أتوقع منه أن يطفئ السيجارة ويعتذر، وربما يقول لي شكرا، لكنه طلب مني نفس الذي طلبه زميله من ذلك الشاب المعاق، فقال لي: "هات إثباتك"!

ولهذا أقول: إن في القطاعات ـ التي لها علاقة مباشرة بالجمهور ـ يوجد الكثير من الضباط والجنود، ممن يفرضون علينا احترامهم وتقديرهم وشكرهم، ولكن في المقابل هناك عدد بحاجة إلى دورات تأهيلية حول كيفية التعامل مع الناس واحترامهم، وأنه ليس من ضرورات العمل ألا يبتسم العسكري أو ألا يعتذر حينما يخطئ، أو أنه لو استخدم عبارات على وزن (شكرا لك) و(لو سمحت) و(تفضل)، سوف تذهب هيبته أو يقل احترامه!