يعد وجود الرقابة الحكومية بجميع أنواعها على خطط التنمية الوطنية وعلى النظم الإدارية الحكومية من الضرورات الأساسية التي تتفق عليها كل النظم السياسية على اختلاف فلسفاتها وتطبيقاتها، ولا أبالغ إن قلت بأن وجود رقابة فاعلة يعد شرطاً لقيام النظام الإداري المتطور الذي تسعى كل المجتمعات إلى بنائه ونمائه.
وتتمثل أهمية الرقابة في ضمان سيادة القوانين والتشريعات وتضمن تحقيق العوائد الاقتصادية وفقاً للخطط المرسومة، وتسهم في تحقيق الاستقرار والاطمئنان السياسي والحفاظ على هيبة الإدارة العامة وتعمق ثقة المواطنين بها.
ولما لبرامج التنمية من طبيعة خاصة تتمثل في خطط مستقبلية تمتد لعدد من السنوات، فهي مشوبة بعدم اليقين وباحتمال تغير الظروف والمصالح المرتبطة بها. هذا الأمر زاد من احتمال عدم تحقيق برامج التنمية لأهدافها، وبالتالي أهمية متابعتها والتأكد من جدوى الاستمرار بها وتحقيقها لأهدافها.
وبرزت من هذا المنطلق الحاجة لأن يكون لأجهزة الرقابة الحكومية مثل ديوان المراقبة العامة دور في متابعة تلك البرامج والمشروعات حتى يمكن الكشف عن نقاط الضعف والانحرافات ومعالجتها في الأوقات المناسبة. وتبرز أهمية الرقابة أكثر في المشروعات المرتبطة بالأنشطة غير الواضحة الأهداف والنتائج. ولذلك فإن عملية الرقابة على مثل هذه المشروعات تبدو ملحة رغم أنه يكتنفها كثير من الصعوبة والغموض.
وقد تبنت المملكة منذ عهدها، أسلوب التخطيط الشامل بالخطط الخمسية، باعتباره الإطار الأمثل لتوجيه مسارات التنمية نحو أهداف متسقة ومتكاملة، وترتكز خطة التنمية الأخيرة للمملكة على عدة محاور رئيسة، تتمثل في: "مواصلة جهود تحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة للمواطنين، وتنمية القوى البشرية الوطنية وزيادة توظيفها، والتطوير الهيكلي للاقتصاد السعودي، والتنمية المتوازنة بين المناطق، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني والمنتجات السعودية في السوق المحلي والأسواق الخارجية، واهتمت الخطة أيضاً بكثير من القضايا الأخرى مثل الإسراع في وتيرة الإصلاح الاقتصادي والمؤسسي وبرنامج التخصيص، وتعزيز التطوير التقني والمعلوماتي، ورفع الكفاءة الاقتصادية والإنتاجية في القطاعين الحكومي والخاص، وتنمية الموارد الطبيعية، وخاصةً الموارد المائية، وحماية البيئة وتطوير أنظمتها".
وتأسيساً على ما تقدم، نجد أن للرقابة الحكومية –بمفهومها الواسع- ارتباطاً وثيقا بالتنمية الشاملة والمستدامة، فعملية التنمية كما ذكرت آنفاً عبارة عن مشاريع وبرامج تنموية لتطوير المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وسواء كانت عملية تطوير للموارد البشرية أو للنظم والإجراءات أو لنظم المعلومات فهي لا تخرج عن كونها مشاريع تنموية لها أهداف وموارد يجب أن تخضع للرقابة والتقويم.
وهنا قد يتساءل بعض عن واقع الرقابة الحكومية على خطط التنمية ومدى تحقيقها لأهدافها؟، وقبل الإجابة على هذا السؤال، من الضروري أولاً إعطاء نبذة مختصرة عن كيفية قيام الجهات الحكومية بتنفيذ خطط التنمية، وكيفية مساءلتها عن ذلك.
ففي نهاية كل سنة مالية تقوم كل جهة حكومية بإعداد تقرير سنوي عن نشاطاتها وأعمالها وأهم المعوقات التي تواجهها، وتتضمن هذه التقارير ما تم تحقيقه من أهداف خطط التنمية وذلك حسب الخطط التشغيلية لكل سنة مالية، وعليه يتم تسليم نسخة من هذا التقرير إلى مجلس الشورى لمناقشة الجهة الحكومية عن سنة التقرير.
هذا باختصار عن كيفية مساءلة الجهات الحكومية بخصوص تحقيق أهداف التنمية في مجلس الشورى، وللأسف فإن غالبية التقارير الحكومية هي عبارة عن (كتيب) دعائي إن صح التعبير عن منجزات الجهة الحكومية فهي لا تشتمل على أرقام وإحصائيات وأهداف واضحة أو مؤشرات لتحقيقها، بالإضافة إلى أن أهم المعوقات التي تواجهها هذه الجهات لا تخرج عن نقص الاعتمادات المالية ونقص الكوادر البشرية رغم تحقيق أهداف خطط التنمية حسب ما ورد في التقارير السنوية!.
أما الرقابة الحكومية على التقارير السنوية والتي تتضمن مدى تحقيق أهداف خطط التنمية فهي شبه غائبة عن ذلك، بسبب بسيط يتمثل في أن التقارير الرقابية المسلمة إلى مجلس الشورى هي تقارير ملخصة وإجمالية لا تتعلق بجهة حكومية معينة وإنما تتعلق بظواهر عامة دون تفاصيل، ناهيك عن أن هذه التقارير في الأساس يتم التعامل معها معاملة التقارير السنوية للأجهزة التنفيذية، وبالتالي لا يستطيع مجلس الشورى مساءلة الجهات الحكومية، ولا يستطيع أيضاً معرفة مدى تحقيق كل جهة حكومية لأهداف خطط التنمية الخاصة بكل جهة، ناهيك عن وجود انفصال تام بين التقارير المالية (الحسابات الختامية) والتقارير السنوية لخطط التنمية.
قد يقول قائل: "أين وزارة التخطيط ودورها في متابعة الخطط التنموية، وأين دور ديوان المراقبة العامة في متابعة المشاريع والبرامج التنموية، وأين دور وزارة المالية في الإشراف عليها؟".
لا شك أن لهذه الأجهزة الرقابية دورا مهما في رقابة ومتابعة خطط التنمية، ولكنها تظل عاجزة أمام شكلية التقارير السنوية للجهات الحكومية في ظل غياب المساءلة في مجلس الشورى، ناهيك عن الأساليب الرقابة التقليدية التي تمارسها هذه الأجهزة على أرض الواقع.
لقد مرت الإدارة في المملكة بمراحل تاريخية إلى أن وصلت إلى مرحلة ما تسمى بإدارة التنمية، والتي من أبرز ملامحها صدور كثير من الأنظمة التي تهدف إلى تحسين الأداء وزيادة الفاعلية الإدارية، ودخول تقنية المعلومات في العمل الحكومي، وزيادة إيرادات الدولة، وزيادة الإنفاق الحكومي ، وزيادة عدد السكان والتوسع في الخدمات، مع زيادة الوعي الثقافي للسكان، ولذلك هناك حاجة ملحة في هذه المرحلة إلى تطوير نظام ديوان المراقبة العامة حيث مضى على نظامه الحالي أكثر من 42 عاماً مع ضرورة تطوير آلياته ووسائله الرقابية بالإضافة إلى تطوير النظام المحاسبي الحكومي للدولة، مع ضرورة وجود مادة نظامية وقانونية صريحة تنص على تزويد مجلس الشورى بتقارير الديوان سواء كانت تقارير مالية أو تقارير أداء عن كل جهة حكومية.