وسط تواتر التسريبات الغربية التي تتوقع توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، واشتعال الساحة المصرية بين "الإخوان المسلمين" والتيار السلفي المصري بسبب السياحة الإيرانية لمصر، والتي تحولت لأزمة حادة بين الفصيلين لمخاوف شتى أطياف التيار السلفي من "المدّ الشيعي في مصر"، من خلال تسلل الحرس الثوري الإيراني ضمن أفواج سياحية لنشر التشيع، اتهم السلفيون الإخوان بأنهم لا يكترثون للأمر، بل يقتربون من طهران.

ولهذه المخاوف السلفية ما يبررها، فقد توجه وفد إعلامي مصري الجمعة 31 مايو لطهران في زيارة يشارك خلالها في فعاليات الاحتفالات بالذكرى الرابعة والعشرين لرحيل آية الله الخميني، وهو ما أعاد الأزمة لصدارة الأحداث، رغم انشغال المصريين بقضايا داخلية كالحشد لحملة "تمرد" الموجهة ضد الرئيس مرسي، أو خارجية كأزمة سد النهضة الإثيوبي وغيرها.

الوفد المصري الذي ضم نحو 30 إعلاميا من عدة وسائل إعلام معظمها موالية للنظام الحاكم، سيلتقون مسؤولين إيرانيين، ربما يكون من بينهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد.

وبعيدا عن هذه الأزمة بين الإخوان والسلفيين، فهناك أطراف أخرى خارج الحدود تتصدرها إسرائيل التي ترصد بامتعاض هذا التقارب المصري ـ الفارسي، وأيضا تركيا التي تجاوزت أزمتها مع إسرائيل بعد اعتذار الأخيرة عن الهجوم على الباخرة "مرمرة"، في سابقة هي الأولى من نوعها، بل وعرضت تعويضا للضحايا، وهو ما قبله الرئيس التركي عبدالله جول، لتعود المياه إلى مجاريها.

ولم تمر ساعات حتى نشرت صحيفة "صنداي تايمز" تقريرا موسعا عن مفاوضات إسرائيلية ـ تركية، ولو عدنا للخلف وتحديدا نهاية العام الماضي، سنقرأ تصريحات للجنرال حسن فيروز أبادي، رئيس هيئة الأركان الإيراني يحذر فيه من نشر منظومة صواريخ "باتريوت"، وزعم أن هدف نشر المنظومة ليس حماية تركيا بل إسرائيل مما يُنذر بحرب إقليمية.

الأمور إذن متشابكة على نحو لا يمكن أن نرى الصورة كاملة دون وضع المعطيات كافة في موضعها الصحيح، فهناك روسيا وهي لاعب دولي خطير في هذه المعادلة، إذ تربطها مصالح بالنظام السوري الذي قاد البلاد لحرب أهلية، وهنا كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية النقاب عن تحذير لروسيا بأن إسرائيل ستضرب منظومة صواريخ «إس-300» حال وصولها إلى سورية، ونقلت الصحيفة عن نتنياهو قوله، إنه بعث للرئيس الروسي بوتين "رسالة حازمة" خلال اجتماعهما في منتجع سوتشي قبل أسابيع، أكد فيها أن إسرائيل لن تتوانى عن ضرب منظومة الصواريخ الروسية إذا وصلت إلى سورية.

يعلم الجميع أن المواجهات الدامية في سورية تجاوزت الصراع الداخلي بين الأطياف المتناحرة، لتتحول إلى حرب بالوكالة بين الغرب ودول المنطقة، في مواجهة التمدد الإيراني المدعوم بغطاء دولي من الصين وروسيا التي تستميت للحفاظ على دور إقليمي في المخطط الجديد لإعادة رسم خرائط المنطقة، بعدما اصطلح على وصفه بثورات الربيع العربي.

ثمة لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله أيضا هو "حزب الله" اللبناني الذي اعترف أمينه العام مؤخرا بالقتال مع النظام في مدينة القصير بسورية، فيما صرح الرئيس السوري بلغة عنترية أن جيشه سيرد على أي اعتداء إسرائيلي جديد، وسيدعم أي مجموعات تشن حربا لتحرير الجولان، ووصف الغارات الإسرائيلية السابقة بأنها استهدفت دعم من وصفهم بالإرهابيين، وضرب الدفاعات الجوية السورية، وكأنه بهذا يفسر الماء بعد الجهد بالماء.

قلناها وغيرنا مرارا أن الوضع الإقليمي الشائك سيفضي لا محالة لتوجيه ضربة نوعية لإيران، وهو ما أكدته دراسة أجراها معهد واشنطن للدراسات، وخلصت فيها لاكتمال منظومة الدفاع الخليجية وتناغمها من خلال ربط الأنظمة الدفاعية الصاروخية والجوية المتصلة بالأقمار الصناعية، التي نجحت بالفعل في اعتراض صاروخ "سكود" بمجرد انطلاقه خلال المناورات المصرية ـ السعودية "تبوك 3" التي تعني ببساطة أن العقيدة العسكرية المصرية مع الظهير العربي، ولو كان ذلك ليس على هوى الحكام الإخوان، فهذه مسألة ترتبط بالأمن القومي الذي يرسم حدوده الجيش دون منازع.