أقبل الإنسان بكل صفاته.. عدا الصفات التي تأتي مرادفة للدناءة.. وعلى رأسها البخل..
قبل فترة في مطار المنامة لفت نظري رجل متوسط العمر يرتدي لباسا لا يتلاءم مع سنه!
قلت له: ما شاء الله عمرك بالخمسين وترتدي ملابس من هو في سن العشرين!
فاجأني بالقول: "سلامتك.. عمري فوق السبعين.. ولو استطعت أن ارتدي ملابس من هم دون ذلك لفعلت"!
أعجبتني حكايته.. ولأنها تنطبق على حال الكثيرين في مجتمعنا أًردت أن أنقلها لكم.. يقول لي: "قضيت عمري في أمور محددة.. أسرتي التي بذلت لها كل ما أستطيع.. عملي الذي منحته شبابي.. مجتمعي الذي حاولت قدر استطاعتي أن أكون فاعلا فيه.. كبر الأولاد والبنات.. تزوجوا.. استقلوا في منازل خاصة بهم، أنا من وفرها لهم وساعدهم في بنائها.. تقاعدت من العمل قبل عشر سنوات.. اكتشفت أن خطواتي أصبحت بطيئة.. منهك القوى.. غائر العينين.. فقدت طاقاتي الحيوية.. حتى الطعام أصبحت أتحاشى كثيرا من أصنافه.. تأملت حسابي في البنك.. بدا لي مجرد رقم.. بدأت الأمراض تنهال علي.. وقفت مع نفسي وسألتها : أين كنت أنا طيلة ستين سنة ماضية.. كيف أهملت نفسي.. كنت في مفترق طرق.. إما أن أجلس أنتظر الموت.. أو أبحث عن الحياة.. اتصلت بأبنائي.. قلت لهم "هذه أمكم أمانة في أعناقكم".. وحملت شنطة السفر ومجموعة من الكتب، وتوجهت للمطار وحجزت رحلة إلى جنوب شرق آسيا.. جلست هناك شهرا كاملا.. من يومها وأنا كالنحلة أطير من زهرة إلى زهرة.. من مكان إلى مكان.. لا أعود للسعودية إلا في شهر رمضان وعند المناسبات المهمة.. شعرت بأنني أولد من جديد.. بدأت استمتع بأموالي.. أعدت اكتشاف نفسي وذاتي وقدراتي من جديد.. أصبحت آكل ما أريد وأفعل ما أريد وألبس ما أريد.. أشعر بأنني رجعت للخلف ثلاثين سنة، والآن أفكر بالزواج"!
تركني للحاق برحلته، وذاب وسط الزحام.. تذكرت تلك اللحظة شخصا مليونيرا تجاوز السبعين، وما يزال يركض ويجمع المال والأمراض.. ولو شاهدته والله، وأنت لا تعرفه، لتصدقت عليه!.