أكمل تفشي فيروس كورونا الحالي شهره الثاني في المنطقة الشرقية (الأحساء وخارجها) ليتم تسجيل 29 حالة، توفى الله منها 17 مواطنا، يرحمهم الله ويلهم ذويهم الصبر والسلوان.
أما على الصعيد الدولي فإن الفيروس حط رحاله منذ شهر أبريل في فرنسا، وتونس، وإيطاليا مما رفع من حدة المنافسة بين وزارات الصحة فاحتدمت المقارنات بين أدائها الاتصالي مع مواطنيها ووسائل الإعلام بتحليل التصاريح والبيانات الإعلامية المحلية، ولا ننسى طبعا المقابلات التفصيلية التي يتسابق عليها تنفيذيو وزارة الصحة السعودية مع وسائل الإعلام الأجنبية وإلقاء الفتات على وسائل الإعلام المحلية القنوعة بسطور معدودة في بيان إعلامي مقتضب لا يتم اكتشافه إلا بتحديث موقع الوزارة بالصدفة.
هذا كله ليس بجديد، فهو نهج الوزارة الذي برز بشكل واضح خلال التفشي الأخير في المنطقة الشرقية، ولكن الجديد هو المعضلة القانونية الأخلاقية المتمثلة بالبحث العلمي المنشور في مجلة نيوإينغلند الطبية الصحية عن حالات فيروس كورونا الأربع في مدينة الرياض والتي سبقت تفشي المنطقة الشرقية. هذا البحث كان من تأليف وكيل الصحة العامة بوزارة الصحة واثنين من التنفيذيين بوزارة الصحة، وهو الجيد بظاهره ولكنه يثير العديد من التساؤلات، وبخاصة أن محتوى البحث هو خليط من المعلومات الحكومية المملوكة لوزارة الصحة كملكية عامة وآراء هؤلاء التنفيذيين، فأين يتم رسم الخط في حقوق التأليف والنشر؟
وقبل تسليط الضوء على النقاط الحساسة لهذه المعضلة، لا نملك إلا أن نتوقف لنقارن بين كمية المعلومات الخاصة بوزارة الصحة كملكية عامة المنشورة في هذا البحث وكمية المعلومات التي تم نشرها في بيانات الوزارة الإعلامية عن هذه الحالات الأربع حينها.
البحث المنشور أشار بالتفصيل لبؤرة عائلية من أربع حالات لفيروس كورونا في مدينة الرياض في شهر نوفمبر 2012، وعند العودة لبيانات الوزارة الإعلامية فإنه لم يتم الإعلان إلا عن إيجابية حالتين فقط منها في بيانين مختلفين مؤرخين (4 /11 /2012، 20 /11 /2012) وطبعا لم يتم ذكر أنها من نفس العائلة ولا أعمارهم ولا حالتهم الصحية علما بأن أحدهم توفاه الله، كما ذكر البحث، ولم يصدر بيان من الوزارة بهذه الوفاة.
وقد يجادل البعض بأن هذه المعلومات التفصيلية قد لا تهم العامة، وإنما هي لأغراض البحث العلمي والإضافة لجسد المعلومات الطبية عن هذا الفيروس الجديد، وهو الصحيح متى ما كان نهج الوزارة متسقا وثابتا في الشفافية والمصداقية، وهو ما انتفى بإدانة الوزارة لنفسها عن طريق هذا البحث المنشور وتوقيته.
البحث المنشور عن الحالات الأربع لفيروس كورونا في مدينة الرياض في شهر نوفمبر 2012 وضع الوزارة في مأزق قانوني وأخلاقي لعدة أسباب: أولها هو استخدام المعلومات الحكومية والتي تعد من معلومات الملكية العامة التي لا تفرض عليه حقوق تأليف ونشر ونقلها لحقوق تأليف ونشر "خاصة" عبر نشرها في مجلة علمية محكمة من دون الإشارة لمعلومات الملكية العامة وفصلها عن حقوق التأليف والنشر الخاصة بمؤلفي البحث المتمثلة بآرائهم عن الحقائق التي تمتلكها وزارة الصحة كمؤسسة حكومية عن الحالات ووصفها، أي معلومات الملكية العامة، التي كان من المفترض نشرها في بيانات إعلامية أو جعلها في متناول المجتمع العلمي البحثي "المحلي" كما هو متعارف عليه في الدول الأخرى كالولايات المتحدة الأميركية وكندا، مع الاحتفاظ بحقوق المرضى وسرية معلوماتهم في كلتا الحالتين.
ثانيا، تضارب المصالح المحتمل الذي نفاه المؤلفون التنفيذيون بوزارة الصحة في المادة الرابعة من نموذج اللجنة الدولية لمحرري المجلات الطبية الخاص بالإفصاح عن تضارب المصالح المحتمل والمنشور كوثيقة تكميلية للبحث في موقع مجلة نيوإينغلند الطبية كإجراء روتيني تقوم به المجلات العلمية الطبية لإخلاء مسؤوليتها القانونية والأخلاقية.
تمت الإجابة بلا على سؤال المادة الرابعة من قبل كافة المؤلفين التنفيذيين الثلاثة: "هل هناك علاقات أو غيرها من الأنشطة التي يمكن أن يراها القراء مؤثرة أو تعطي طابعا عن احتمالية تأثيرها على ما كتبته في بحثك؟"، كيف تتم الإجابة بلا من دون الإشارة إلى تداخل مناصبهم وصلاحياتهم، في الوزارة وخارجها، في التعامل مع الحالات المنشورة؟
ثالثا، تم ذكر جامعة الفيصل كمرجعية لوكيل وزارة الصحة العامة بالإضافة للمركز العالمي لطب الحشود ووزارة الصحة، وهذا يعيدنا مجددا للنقطة الأولى وهي استخدام معلومات وزارة الصحة، معلومات الملكية العامة، في بحث "خاص" يرفع نشره من تصنيف منشأة جامعية لم يتم إيضاح كيفية تمكينها من معلومات الملكية العامة الصحية دون سواها من المراكز البحثية والمؤسسات الجامعية.
أخيرا، وهو السؤال الأكثر إلحاحا، هل سننتظر نحن والعالم ستة أشهر أخرى حتى يتسنى لوزارة الصحة استخدام معلومات الملكية العامة لنشر بحث علمي خاص آخر مثير للجدل القانوني والأخلاقي عن تفشي المنطقة الشرقية الضبابي كما حصل في بؤرة الرياض العائلية؟ ألم يحن الوقت لتخيير التنفيذيين بين إدارة التفشي الحاصل بفاعلية وبين التفرغ للنشر العلمي، فنحن بالتأكيد لا نريد مزيدا من الضحايا لنشر بحث علمي آخر؟