محمد زايد الألمعي، من الشعراء الساردين أو السرديين، لكنه لا يستخدم السرد مجردا من الرؤية، ولا يلجأ إليه إلا عندما يتيقن من أنه يخدم الفكرة العامة للقصيدة، ويضيف إليها، ففي قصيدة: "عند فاصلة في مهب الطفولة"، يعتمد على السرد القصصي، فيجرد من ذاته طفلا ذا طموحات كبيرة، ثم يبدأ في استعادة أحلام ذلك الطفل، وسماته المرتبطة بالمكان، مستحضرا شيئا من مظاهر أيام الطفولة، حين كان أهله الجبليون يسمون القرية "الوطن"، والحقل "البلد":

عند فاصلة في مهبِّ الطفولةِ،

أوقفني حيث كان الولدْ

وأراني دفاتره وخرائط أحلامهُ

كان نبتا بهيا، كأسلافه الجبليين

من أزل الروح حتى الأبدْ

كان يقرؤهم، ويعيد قوامسهم، مثلهم،

فيسمي القرى وطناً

والحقول بلد

وكان فخورا بأن غرسوا، باسمه، سدرة إذ وُلدْ

وقال: سأسكن فيها يماما ليغرقها بالهديل

إذا ما لقيت الصبايا صباح الأحدْ

هنا يصور الشخصية تصويرا دقيقا، معتمدا على الفعل "كان"؛ فذلك الطفل كان شبيها بأجداده المرتبطين بالمكان، إذ كان يتكلم بلهجتهم، ويسمي الأشياء بالأسماء التي يسمونها بها، وكان يفخر بالسدرة التي سموها باسمه، ويحلم بهديل الحمام فيها، ليكون متسقا مع شعوره بالحب عندما يلتقي بالصبايا في سوق الأحد. وكل هذا التفصيل قادح للكثير من الأسئلة حول ما أمست عليه حاله، وهل بقي متصالحا مع أهله ومكانه، مما يحيل المتلقي إلى عمق القصيدة الفلسفي، ومضمونها الفكري، ليصل القارئ إلى أن الفتى لم يحقق شيئا برغم بلوغه الخمسين، ليبقى عجوزا ولدا، ومن الملحوظ أن الزمن عنده شكلي، فبرغم أنه يحكي عن زمن مضى، إلا أنه يحيل إلى المستقبل: "سأسكن، إذا ما لقيت"، وهو قد فعل ذلك في زمن فائت، فكأنه يصور أحداثا مضت، لكن بصيغة المستقبل، فلم يعد الفعل الماضي ماضيا، ولم يعد المضارع مضارعا.

وقريب من هذا قصيدة: "حين كنت صبيا"، حيث صدق أسطورته الخاصة، وتوهم أنه قادر على لمس السماء بعصاه إذا ما اعتلى الجبل، فزين له جده كذبته، وبقي يصدقها حتى بعد رحيله:

حين كنت صبيا

توهمت أن السماء سألمسها

بعصاي إذا ما علوت الجبل

كان جدي يصدقني ساخرا،

ويزين لي كذبي..

فاخترعت أساطير طيشي..

وعاندت حتى وقار أبي

* * *

وها أنا،

مذ رحل الأهل،

معتمرا جبة الكهل

وحدي

أردد أسطورتي

وأصدق ذاك الصبي!

والمتأمل في قصائد محمد زايد السردية، يدرك أن لها أبعادا رمزية تتجاوز الصورة الظاهرية، ففي السابقة – مثلا - رمز للطموحات التي تتجاوز الواقع، وإيماء إلى النرجسية والثقة المفرطة في الذات، وإشارة إلى استمرار الصفات، أو المعتقدات التي تشكلت في أثناء السنوات الأولى من الحياة، برغم عدم واقعيتها، فربما كان ذلك الصبي معادلا موضوعيا موازيا لحالة الشاعر عند كتابة القصيدة.