وليد الكاملي
بعد أحداث الـ11 من سبتمبر التي وجد الإعلام الغربي فيها ضالته ليؤكد الصور النمطية التي غرسها لدى شعوبه عن المسلمين بشكل عام، والعرب بوجه خاص، وجدت المملكة العربية السعودية وهي المعنية الأولى بكل تلك الحملات لما تتمتع به من مكانة دينية كونها قبلة المسلمين، وجدت نفسها في مأزق حضاري يحتم عليها أن تعيد أجندتها في شكل علاقتها بالعالم لتصحيح الصور المغلوطة عنها، الأمر الذي دفعها لبذل المزيد من الجهود الداخلية والخارجية التي تمخضت عنها الكثير من المشاريع، والتي جاء البعض منها على شكل حملات إعلامية وأخرى فكرية حوارية استطاعت من خلالها أن تعيد بعضا مما فقدته.
وحتى لا أذهب بعيدا عما وددت التصدي له هنا، فإنه من المناسب أن أحكي ذلك الموقف البسيط الذي حدث أمامي ليلة رأس السنة الميلادية حين كان صديقي الهندي الذي يعمل في البقالة المجاورة لمنزلي يحدثني بحزن على أنه لم يستطع أن يمارس أي طقس من الطقوس التي اعتاد على ممارستها في تلك الليلة، خاصة وأنه قبل حديثنا تلقى اتصالا هاتفيا من أخيه الذي يعمل في دولة مجاورة حيث عبر له عن سعادته بتلك الليلة التي قضاها هناك، كيف لا وهو قد احتفل بما يراه هو عيدا، الأمر الذي حرض صديقي على السؤال: ما المانع أن يحصل على إجازة يوم واحد من عمله ليحتفل في غرفته على الأقل؟ بل إنه بينما كنا نتحدث رماه طفل- يبدو أنه في الثامنة - بقارورة فارغة ومضى!
ولعل أحدكم يسألني: وما علاقة ما ذكرته في مقدمة مقالك بهذه القصة؟! وبدوري سأقول: إننا نحتضن أكثر من خمسة ملايين مقيم في البلاد، وهم ولا شك يمثلون نسبة مهمة قادرة على الترويج لنا في كل أنحاء العالم، وهذا لا يعني بطبيعة الحال عجز الجهود التي بذلت لهذا الأمر، إلا أن الحاجة فعلا ملحة للترويج لصورتنا المتسامحة للمقيمين قبل غيرهم، لمن هم في الداخل قبل الخارج، وهذا لا يأتي إلا بالشروع في إيجاد المناخ الملائم لهم، وذلك بسن القوانين والأنظمة التي تمكنهم من العيش بيننا وممارسة طقوسهم الخاصة بهم بشرط ألا تخل بأمن البلد، وألا تخل بنظامه الاجتماعي.
وأما إن كانت الخشية من انعكاس ذلك على شبابنا، فإنني وبكل أمانة أتعجب كثيرا من هذا الخوف غير المبرر عليهم، وهو أمر يهز مسألة الثقة في شباب الوطن وفي قدرتهم على مجابهة المتغيرات الثقافية والاجتماعية، ويزيد من شغفهم ويذكي حب استطلاعهم، ناهيك عن أنه يحرض على السؤال الأهم: أين قدرة الخطاب التربوي والوعظي على تحصينهم الذي تكشفه كل مناسبة لا تتوافق ومسلماتنا الدينية والثقافية، وما رأس السنة وعيد الحب القادم إلا خير برهان على ذلك!
أخيرا.. وانطلاقا مما بدأت فإنه ـ ولكي نعزز من نجاح مشروع تحسين صورتنا الذهنية لدى الآخرين ـ فإننا يجب أن نؤمن بأهمية أن من حولنا من إخواننا المقيمين لهم انطباعاتهم التي ينقلونها، وأن الحل الأمثل يكمن سن القوانين التي تمنحهم حق ممارسة ما يشعرهم أنهم في بلدانهم، دون الاصطدام مع ما يمكن له أن يعكر صفو عيشنا بسلام.