على حائط بوابة كلية القانون بجامعة "هارفارد"، أعرق الجامعات الأميركية وأشهرها عالمياً، وتحت عنوان "أعظم عبارات العدالة في العالم وعبر التاريخ"، انتبه "عبد الله الجمعة"، المبتعث السعودي في أميركا، إلى نقش الآية الكريمة رقم 135 من سورة النساء:
"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا".
الإسلام اليوم هو ثاني أكبر الأديان في العالم بعد المسيحية، إذ يبلغ عدد المسلمين في العالم 1,8 مليار نسمة، أي نحو 25% من سكان المعمورة. من أصل 57 دولة في منظومة العالم الإسلامي، يعيش حوالي 62% من المسلمين في آسيا ونحو 20% في الدول العربية. وفي أميركا بلغ عدد المسلمين 9 ملايين وفي أوروبا 30 مليونا وفي روسيا 13 مليونا وفي الصين 23 مليونا.
في تقريره الصادر قبل أيام معدودة، أفاد تقرير معهد "غاتيستون" البريطاني تحت عنوان "النمو السريع للإسلام في الغرب"، بأنّ أعداد المساجد بدأت تنافس أعداد الكنائس في كلٍّ من باريس وروما ولندن، وأصبح القرآن الكريم المترجم من أكثر الكتب رواجاً ومبيعاً في الأسواق الأوروبية. وأكد التقرير أن الإسلام يُعَدُّ اليوم أسرع الديانات انتشاراً في بريطانيا، وذلك طبقاً لبيانات التعداد السكاني الصادرة في نهاية العام الماضي، التي أظهرت أن عدد المسيحيين انخفض خلال العقد الأخير من 37,3 مليونا في 2001 إلى 33,2 مليونا في2011، بينما ارتفع عدد المسلمين خلال نفس الفترة بمعدل 80% من 1,5 إلى 2,7 مليون، مما يجعل الإسلام ثاني أكبر ديانة في بريطانيا، ليشكل 10% من عدد السكان في نهاية 2013.
وفي تقرير حديث للاستخبارات الأميركية، أكدت الإحصائيات الرسمية أن أعداد الذين يعتنقون الإسلام في أميركا كل عام في تسارع مستمر، حيث تم خلال العقد الماضي بناء أكثر من 1200 مسجد في الولايات المتحدة الأميركية، بمعدل 120 مسجد سنوياً. وأوضح التقرير أن معظم الذين يعتنقون الإسلام من الأميركيين يتحولون إلى دعاة للإسلام بعد أن يلتزموا بصورة تفوق التصور بتعاليم الإسلام.
هنالك العديد من التقارير الرسمية الأخرى التي تشير إلى أن السبب في الإقبال المتزايد على اعتناق الإسلام يعود إلى ثقافة المطالعة والقراءة لدى المواطن الغربي الذي لا يحتاج إلى دعوة مكثفة بسبب اطلاعه وقناعته، وهذا ما يؤدي إلى تحسن موقف الرأي العام الغربي من الإسلام، إذ تراجعت نسبة الذين يعتقدون أن الإسلام يحض على العنف من 44% في عام 2003 إلى 36% في عام 2012، وزادت نسبة الذين ينظرون إلى مسلمي أوروبا وأميركا بنظرة إيجابية من 51% إلى 55%. كما قارنت هذه الإحصائيات بين مستوى معرفة المواطن الغربي وموقفه من الإسلام، لتؤكد أن 24% فقط من قليلي المعرفة بالإسلام يمتلكون توجهات إيجابية نحوه، في حين تتضاعف هذه النسبة تقريبا لتصل إلى 49% في أوساط من يمتلكون معرفة جيدة بالإسلام.
هذه الإحصائيات تدل على أن هناك فرصة حقيقية أمامنا لتوضيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب. تصوروا لو بادرت الدول الإسلامية بإنشاء أفضل 100 جامعة متخصصة في تقنيات النانو والطاقة الشمسية والانشطار النووي والاقتصاد المعرفي وتقنية المعلومات، وأعظم 50 مركزاً لأبحاث أمراض السكر والقلب والسرطان والفشل الكلوي، وأكبر 1000 مصنع لإنتاج الغذاء والدواء، وأقوى مرصد فلكي لرصد حركة مجرات الكون وتحديد مواقيت الصلاة والصيام وتواريخ الحج والأعياد. بل تصوروا موقف شعوب العالم لو قامت حكومات العالم الإسلامي بتوفير مئة مليون وظيفة للعاطلين، ولو نجحت في تخفيض نسبة الفقر بين مواطنيها وحقق طلابها أفضل المستويات العالمية في العلوم والاقتصاد والطب والهندسة. تصوروا لو فاقت أعداد بحوث جامعاتنا العلمية واختراعاتها أعداد "الفيديو الكليب" العربية المنتجة سنوياً. وتصوروا لو أطلق علماء الفيزياء في العالم الإسلامي مركبتهم الفضائية الأولى بدلاً من تدشين مئات الفضائحيات الإعلامية الفاشلة، ولو استطاع خبراء الاقتصاد المسلمون تخفيض نسبة الفقر ونجحوا في لجم غلاء الأسعار وزيادة نسبة التبادل التجاري بين بلادنا.
وتصوروا لو قام العالم الإسلامي بمعاملة النساء كما كان أشرف الأنبياء والمرسلين يعامل أم المؤمنين، وإنصاف المظلومين، كما أنصف الخلفاء الراشدون رعيتهم، واعتماد مبادىء الدعوة بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة كما أمرتنا شريعتنا السمحة.
للأسف الشديد أن عالمنا الإسلامي ترك الجوهر وتعلق بالمظهر لتتمادى فئات الفكر التكفيري الضال بالعبث واللهو داخل وخارج أوطاننا. أُلصقت بنا تُهمة الإرهاب زوراً وبهتاناً، بينما ديننا الحنيف كان أول من اجتث جذوره وأنزل العقاب الصارم بأصوله وفروعه. تحثنا الدول على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان ومساواة المرأة بالرجل، بينما شريعتنا السمحة كانت أول من أعتق الإنسان وأطلق حرية المرأة ومنحها كامل حقوقها. يطالبنا العالم بتعديل مناهجنا الدراسية ورفع مستوى الفكر والمعرفة لدى أبنائنا، بينما أجدادنا من علماء المسلمين كانوا أول من أرسى علوم الطب والهندسة والفلك والرياضيات، ونجحوا في فك طلاسم الجبر والفيزياء، واكتشفوا أسرار انكسار الضوء وقوى الجاذبية وحركة النجوم، فاحترمنا العالم وسارت في ركابنا شعوب الأرض لترتوي من أفكارنا ثقافات الكون.. من المعيب حقاً ألا نتعظ قبل جامعة "هارفارد" بآيات كتابنا العظيم.