من يحرض على الدم في مصر؟ سؤال يشغل بال الكثيرين وسط بروز تنظيمات سرية تتبنى العنف، تباينت ما بين حركات يسارية وأخرى إسلامية.
وفيما نجح الأزهر أمس في دفع الأحزاب والقوى السياسية للاتفاق على نبذ العنف، وتشكيل لجنة تمثِّل جميع الأطياف لصياغة أسس للحوار بهدف الخروج من الأزمة الراهنة، تبدو شعارات العنف جلية في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلق ناشطون إسلاميون صفحات على موقع "فيسبوك" تحمل اسم "وايت بلوك"، وذلك للرد على أعمال العنف التي انتشرت في الفترة الأخيرة، والتي تنسب لحركة ثانية تدعـى "بلاك بلوك". وهناك حركة "القناع الأسود" التي أعلنت مسؤوليتها عن حرق مقر "جماعة الإخوان" بالمنيل، فيما هدد "جرين ايجيلز"، الذي يضم مشجعي فريق المصري البورسعيدي، باستخدام مجموعة "الهوليجانز" ردا على المسيئين لثورة 25 يناير.
انقلبت الحال في مصر رأسا على عقب بالتزامن مع الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، إذ تزامنت مع حديث عن منظمات سرية بعضها مناهض لحكم الرئيس محمد مرسي وبعضها مناصر له. واللافت أن تلك التنظيمات اتخذت من المواقع الاجتماعية على الإنترنت مقراً ومنبراً، بعدما أدت هذه المواقع دوراً مفصلياً في بداية الثورة قبل عامين ضد الرئيس السابق محمد حسني مبارك، إذ كان المتظاهرون يستخدمونها لتوجيه الدعوات إلى التجمع في ميدان التحرير وغيره، وكذلك للإعلان عن الخطوات والنشاطات التي سيتبعها المتظاهرون.
وبينما أدت تلك المواقع دورها في الثورة الأولى وأسفرت عن إسقاط النظام بأقل عدد من الخسائر البشرية، فإن كثيراً من المصريين أصبحوا يخافونها لما غدت تحويه من أسماء غريبة لتنظيمات أعلنت معظمها أهدافها المتمثلة في العمل لحماية النظام أو إسقاطه وبـ "العنف".
من المحرض؟
من يحرض على الدم في مصر؟ سؤال أصبح يشغل بال كثير من المصريين في ظل تصاعد حركات العنف المسلحة التي تباينت ما بين حركات يسارية ترفع شعارات ومدنية، وأخرى إسلامية تهدد بأنها قد تضطر للعودة إلى ساحة العنف ما دام هناك غيرها يرفع شعاره. وهذه الشعارات تبدو جلية في مواقع التواصل الاجتماعي حيث أطلق ناشطون إسلاميون عددا من الصفحات على موقع "فيسبوك" تحمل اسم "وايت بلوك"، وذلك بهدف الرد على أعمال العنف التي انتشرت في الفترة الأخيرة والتي تنسب لحركة ثانية تدعى "بلاك بلوك" وهي معارضة للرئيس محمد مرسي، مضيفة أن من ضمن أهدافها حماية المنشآت والمؤسسات الحيوية للدولة بالتعاون مع اللجان الشعبية، وأنها لا ولن تهاجم أحداً، حسب ما ورد على الصفحة.
كما بثت أيضاً على موقع "يوتيوب" مقاطع الفيديو لمجموعة من المسلحين الملثمين يعلنون فيه تدشين حركة مسلحة باسم "حركة كتائب مسلمون". وقالت الحركة في بيانها المصور: نحن لسنا "حازمون"، أو "إخوان"، أو "سلفيون"، أو تابعين لأي حركة أو حزب، دون الاختلاف مع الأحزاب والحركات الإسلامية طالما أنها لا تخالف شرع الله، موجهة خطابها إلى أقباط مصر بأنهم سيظلون آمنين في الوطن ما داموا لا يحاربون المسلمين أو يعملون على تقسيم مصر أو النيل من وحدتها، على حد قولها.
مواجهة البلطجة
وقال أحمد إبراهيم، الذي أعلن أنه أحد مسؤولي هذه الصفحة: "نحن نعمل لصالح مصر وليس لصالح أي فصيل سياسي، وهدفنا نشر الخير وبناء المجتمع، ونشر الأمل، ومواجهة البلطجة، بحماية المنشآت العامة إن لزم الأمر، وهذا هدف المجموعة الذي يجب الاتفاق عليه".
إطلاق حركة "وايت بلوك" جاء رداً على حركة "بلاك بلوك"، التي ارتبط اسمها بالأحداث التي شهدتها مصر بالتزامن مع الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، خصوصاً بعدما أعلنت الحركة، عبر تويتر رفضها جميع المبادرات، وأنه لا حوار ولا تفاوض قبل رحيل مرسي وإجراء انتخابات رئاسية بمراقبة شعبية ودولية". وهذا ما جعل الحركة تقع في مرمى نيران هجمات الإسلاميين.
ثورة جديدة
ويرى الأمين العام لحزب "البناء والتنمية" (الذراع السياسية للجماعة الإسلامية) أشرف توفيق أن "جبهة الإنقاذ هي التي تقف وراء الأحداث الحالية والشغب"، مضيفاً في تصريحات إلى "الوطن" أن "جبهة الإنقاذ حشدت لثورة جديدة للاختباء وراءها لتنفيذ أغراضها وهو الاعتلاء على السلطة والوصول إلى الرئاسة والإطاحة بأول رئيس منتخب شرعي، وأن حملة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، أثناء الانتخابات الرئاسية، هي من يقف وراءها من أجل الإسراع بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة".
إلا أن القيادي بـ "جبهة الإنقاذ وبالتيار الشعبي" الدكتور عزازي علي عزازي ينفي هذه الاتهامات. ويقول عزازي أحد أبرز المشاركين في الحملة الانتخابية الرئاسية لصباحي، في تصريحات إلى "الوطن": "تلك الاتهامات عارية تماماً من الصحة ولا تمت للواقع ولا للتاريخ بصلة، فالجماعات الإسلامية هي التي لديها رصيد تجربة في التعامل بالسلاح واللجوء إلى العنف، وهو ما يشهد عليه تاريخها خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي".
بدوره، نفى مالك قناة "التحرير" المهندس سليمان عامر، الاتهامات الموجهة إليه في بلاغ رسمي بتمويل جماعة "بلاك بلوك" وأكد أنه علم بهذه المجموعة مثل مئات المصريين من خلال وسائل الإعلام. وأضاف عامر أن "صاحب البلاغ لا يعلم عني شيئا.. قال إنني عضو سابق بالحزب الوطني وهذه فرية لا تمت للحقيقة بصلة. كما خلط صاحب البلاغ بين اسمي واسم شخصية أخرى بالشرقية سبق لها الترشح على قوائم "الحزب الوطني".
مشروع شهيد
لم تكن بلاك بلوك وحدها صاحبة الدعوة إلى العنف، حيث نشرت الصفحة الخاصة بحركة "جنود الثورة المصرية" على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك": "مطلوب رجال لاستكمال الثورة، مطلوب رامي الشرقاوي تاني، وكاريكا آخر، وجيكا جديد مطلوب مشروع شهيد، قبل أن يكون ثأراً للحق، مرحبا بثوار الصفوف الأولى، ومن ينتظرون النصر أو الشهادة، ومن أخذوا عزاء الخالة سلمية، لسنا حركة ولا ائتلافاً سياسياً نسعى لسلطة أو منصب، نحن جنود الثورة لأجل الثورة، ننتصر أو نموت، المجد للشهداء، النصر للثورة، الله، الوطن، الثورة، مكملين".
وهناك أيضاً حركة "القناع الأسود"، التي أعلنت بالفعل مسؤوليتها عن حرق مقر "جماعة الإخوان المسلمين" بالمنيل في 24 يناير الماضي، أي قبل يوم واحد من الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، مشيرة في صفحتها على "فيس بوك" إلى أنه "تم حرق مقر الإخوان بالمنيل عن طريق عملية من عملياتنا ضد الإخوان".
نهاية "السلمية"
كما هدد "جرين ايجيلز" الذي يضم "ألتراس" مشجعي فريق المصري البورسعيدى، باستخدام مجموعة "الهوليجانز" الشرسة الخاصة بالجروب في الرد على الأحداث الجارية التي تسيء لثورة 25 يناير، وأعلن الجروب عبر صفحته على "الفيس بوك"، أنهم طالما نادوا بالحرية ورفضوا الظلم، وذلك بالطرق السلمية، وقالوا إن "هوليجانز" لا يتعامـل بالطرق السلمية، وأنه على قدر كبيـر من الشراسـة ولديـه القدرة على التعامــل مع جميـع الأحداث مهما كانت صعوبتـها، مضيفين أن "الوضـع العام الحالي في مصر لا يحتاج إلى السلمية، التي انتهت وانتهت معها كل الطرق المشروعة، على حد قولهم.
متصدون للعنف
وقال المنسق العام لـ "حركة شباب الثورة" محمد سمير إن "مجموعة جنود الثورة تم تأسيسها بالفعل، ونصبت عدداً من الخيام بجوار مسجد عمر مكرم، والهدف من إنشاء جنود الثورة حماية المتظاهرين السلميين من مليشيات الجماعة المسلحة، التي ظهرت خلال أحداث قصر الاتحادية، ومهمتها تقتصر فقط على التصدي لأية محاولات عنف من جانب جماعة الإخوان المسلمين".
ويقول عضو المكتب السياسي لـ "حركة الاشتراكيين الثوريين" هشام فؤاد لـ "الوطن" إن "هناك قوى شبابية قد تجد نفسها مدفوعة لردع تلك التوجهات الإرهابية ومواجهتها بالعنف، لكن التيارات السياسية اليسارية لن تنجرف لتلك الدعاوى وتلجأ للعنف وإنما ستستمر في دعوة وحشد الجماهير للتغيير للأفضل، والرهان على الشارع وليس على السلاح والعنف، خصوصا أنه سبق أن فشلت الجماعات المسلحة في إحداث أي تغيير في المجتمع على مدار التاريخ، بل على العكس من ذلك، فقد تطور الأمر إلى الأسوأ وسيطر الرعب على المصريين في السابق، تلك الدعوة تفرغ الثورة من مضمونها السلمي وتجرها من صراع لاستكمال الثورة إلى صراع مسلح ما بين القوى السياسية لاختلاف أفكارها.
لا للفوضى
ويوضح المتحدث الرسمي باسم "حركة 6 إبريل" محمود عفيفي أن "الحركة لا يمكن أن تشارك فى أي فعاليات بها استخدام سلاح أو ممارسات عنيفة، وأن القوى الثورية الحقيقية لا يمكن أن تنجرف لاستخدام السلاح وتحويل البلاد إلى فوضى، وأنه لا مانع من النزول والمطالبة بأي أهداف تراها القوى الثورية، ولكن من الخطأ استخدام السلاح وممارسة البلطجة السياسية لأن قطع الطريق مرفوض وكذلك تعريض حياة المواطنين للخطر".
من جانبه قال المتحدث باسم "حزب الحرية والعدالة" (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) أحمد سبيع إن "الحرية والعدالة يرفض بشكل قاطع ظهور أية حركات تتبنى العنف أو تهدد باستخدام السلاح، ونرفض تماما أية حركة أو جماعة تحمل السلاح أو تهدد المعارضين لها بالعنف أو تمارس العنف ضد مؤسسات الدولة ومنشآتها."
وأكد سبيع على أن الدولة هي المسؤولة عن مواجهة مظاهر العنف والخروج على القانون "مع أهمية مساعدة المواطنين لرجال الشرطة والجيش في التصدي لمظاهر العنف في الشارع من خلال اللجان الشعبية السلمية لحماية ممتلكاتهم ومؤسساتهم"، على حد قوله.
ونفى القيادي البارز في "حزب الحرية والعدالة" الدكتور أشرف عبد الرحمن أي احتمالات للجوء الإخوان للعنف سواء في الماضي أو في المستقبل". وأضاف في تصريحات إلى "الوطن": "الحديث عن العنف ليس من منهج جماعة الإخوان المسلمين".
التحدي الإلكتروني
من جهته، يقول أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم إن "العالم الافتراضي التخيلي الذي يعيشه الشباب الآن أصبح تجسيدا للواقع الذي يجدونه في حياتهم اليومية، والذي يشجع في الوقت الراهن على العمل على الأرض، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع الأمنية في البلاد"، مشيراً إلى أن "أدوات التواصل الاجتماعي على الإنترنت أصبحت وسيلة فعالة للإعلان عن التحدي والاستعداد للمواجهة، وهو ما يجسد حالة الاستقطاب التي يعيشها الشباب المصري في هذه المرحلة، وهنا يتحول الحوار الإلكتروني إلى واقع يمكن من خلاله الاتفاق على آليات الحركة والعمل في العديد من المناطق في وقت واحد، فيصبح لهذا الحوار أدلته الواقعية والحية، وظهور مثل هذه الحركات هو نتيجة للانقسام السياسي الحالي في المجتمع في الفترة الأخيرة، حيث انقسم الشباب إلى فريقين، فريق يعارض السلطة ويهدد باستهداف مؤسسات الدولة لفرض مطالبه، وفريق آخر يريد حماية النظام ودعمه بالتحرك من أجل حماية المؤسسات والمنشآت التي تمثل هذا النظام، كما تجسد هذه الحركات الشبابية الجديدة في المجتمع المصري فكرة تحدي السلطة وقيود الواقع في مرحلة ما بعد الثورة، وما نراه الآن في مدن القناة مثال لهذه الفكرة، حيث يخرج الشباب متحديا حظر التجول بعد الساعة التاسعة مساء للتظاهر ولعب كرة القدم".
يذكر أن مصادر أمنية مصرية كشفت النقاب عن أن الحكومة المصرية ممثلة فى وزارة الداخلية، استوردت 50 ألف طن قنابل مسيلة للدموع من الولايات المتحدة الأميركية تزيد قيمتها على 100 مليون دولار منذ 4 أشهر فقط، موضحة أن "هذه القنابل من نوعين مختلفين هما "سى. إن"، و "سى.إس"، الأكثر استخداما في تفريق المتظاهرين، وأن النوع الأول ذو تأثير ضعيف ويستخدم في المظاهرات البسيطة أو التجمعات القليلة، والعناصر الداخلة في تصنيعه سرعان ما تتلاشى في الهواء بعد أن تحدث تأثيراً مؤقتاً، أما النوع الثاني فأشد تأثيرا ولا يتحمله المتظاهرون لفترات طويلة ويسبب اختناقات شديدة وأضرارا بالغة بالعين والرئتين.