ومع هؤلاء الإخوة الأصدقاء الخلص تقول تجربتي إن الغرفة البسيطة الشاردة إلى مكان قصي قد تكون أعظم القصور، وإن اللون الرمادي الأبيض على الجدران الأثرية القديمة قد يبز في إسقاطات بهجتها وسعادتها ما لا تستطيعه كل بيوت الخبرة في الديكور والأرستقراطية.

تقول تجربتي المتقطعة من آن لآخر إن الخيام والغرف والقصور تتساوى أمام مسطرة السعادة، لأن المنازل، مهما تعالت أو تهاوت، تعقيداً أو بساطة، هي بساكنيها، مثلما تقول تجربتي إن (الأثاث) هو القلوب، وإن ألوان الحياة هي وجوه الناس، وإن السعادة هي الأنيس الجليس، وكل ما عدا ذلك مجرد أغلفة فاخرة لا علاقة لها بما يكتب في الدفتر. وقد لا يعلم هؤلاء النبلاء أنني أهرب إليهم عندما تشتد الأزمة، وعندما تقترب النفس من ذروة مصرعها، وأنني أجتاز في الطريق (المادي) إليهم ألف مطب ومطب كي تكون ليلتي معهم غسولاً سحرياً لألف ليلة وليلة من الشقاء والبؤس. تعلمت مع هؤلاء أن ذروة العلاج النفسي هي أن تكون مع مثل ما يجب أن تكون.. ذات جلدك. ذات لسانك. ذات همومك، وعواطف ذات الإنسان البسيط الذي يجب أن يكون مباشراً صريحاً تلقائياً وعارياً من كل زيف أو أغلفة وهمية كاذبة. من هؤلاء تعلمت ما لم تقله عشرات الروايات التي أدمن قراءتها من أجل التوصيف المجتمعي. تعلمت في غرفة بسيطة معهم نبض الناس.. عصامية (أبوأسامة) حين تكتشف الشاب السعودي، وللمفارقة، مسؤول شركة كبرى تعمل كل صباح في تكسير الصخر.. هدوء (أبولمى) حينما يمر كل المساء وأنت تتعلم منه كل القيم الكبرى التي يقولها بهدوئه لا بصوته.. عناد (أبونميّ) وقوة حجته، فلا أرى فيه إلا كل الأشياء المشتركة في شخصي، وله كل الشكر، لأنه الوحيد الذي عرفته بكل الاختلاف وكل التطابق فيما بين شخوصنا من الثابت والمختلف. بقي أن أكتب شقيقهم الأكبر الذي استودعته لعشرين عاماً كل أسراري الكبرى التي لا يعرفها غيره، وله بشكل خاص، أرفع قلمي عن الكتابة. والزبدة في النهاية أنني أشفق على كل مضطرب في ظروف هذه الحياة فلا يجد لغسل الأحزان والهموم مثل هذه الغرفة ومثل هؤلاء الأشقاء في رحلة حياة!! الحياة الحقيقية هي من تحب.