كشفت "الموجة الابتدائية الأولى" من الثورة السورية، وجوها ثقافية وفكرية وإعلامية ذات نشاط "تشبيحي".. "مخابرات ثقافية" بوجوه ناعمة ولغة سلسة استطاعت تغطية حركتها بشعارات دعم المقاومة، وادعاءات فيها من القومية والوطنية والثورية، بينما هي في عمقها طائفية أقلوية عصبوية مسكونة بهواجس الإزالة والتهجير، غير متصالحة مع فكرة التعايش التاريخية التي أبقتها حتى الآن.
أدونيس، دريد لحام، زاهي وهبي، جورج قرداحي، غسان بن جدو، مارسيل خليفة، رغدة، نجدت أنزور.. وآخرين كثر لبنانيين وسوريين فنانيين وإعلاميين مثقفين من الجنسين، وباستثناء "الخديعة" التي تعرض لها الجمهور والمؤسسات الإعلامية والفنية والثقافية التي نسجت مع تلك الأسماء علاقة مصلحية بحتة، فإن الأسماء الواردة في الأعلى اتضح وبرغم تباين أحجامها وتأثيراتها أنها نتاج مسننات الحزبية، ومحصلة باعثات طائفية، وظفتهم في معاركها الفاصلة، وفرضتهم في التناول اليومي لقطاع عريض كان يرى فيهم نجوما ومبدعين، والآن لا أعلم ماذا كان بالإمكان تقبل دعوات لـ"تكرير" الوعي مما شابه من تشوهات أسهم بها هؤلاء القوم؟ هل نحتاج "مكارثية" خاصة بنا فيما شاهدنا وسنشاهد، ما سمعنا وقرأنا وما سنسمع وسنقرأ؟ لا أعلم ولكن ثمة إحساس عميق ومؤلم بالخديعة والكذب والسقوط في احتيالات شعورية.
لحظة سياسية فارقة كالثورة السورية قالت لنا وبوضوح أننا ضحايا لـ"غسيل دماغي وفكري" هائل. أرجو ألا يفهم هذا على أنه محاولة بعث لمحاكم تفتيش "ثقافية" جديدة؟ لكن لا يمكن ترك المسائل بسذاجة كما كانت.
حرب تحرير الكويت1991 كشفت لنا حقائق، واليوم الثورة السورية تعطينا درسا جديدا ومؤلما لكيفية التلاعب بنا، وأظن أنه مع التطورات السياسية والعسكريـة ودخـول "حزب الله" وتصاعـد الطائفيـة والدعوات إليها سنكـون أمام مفاجآت جديدة وسيكون أبطالها فنانين ومثقفين وإعلاميين استطاعوا الكمون وتجاوز "الموجة الابتدائية الأولى" وربما سنصدم بأسماء أكثر ثقلا وتأثيرا.. يُفتح الملف فيتكشف بأثر رجعي كل الوهم "الثقافي" الذي عشناه ونعيشه.