كان (سبتاً) خالياً من الأخبار المختلفة، ولو كنت كاتب أخبار في تلفزيون عربي لطلبت من مكتبة الفيديو إعادة نشرة أخبار السبت الذي سبقه. ولو كنت مسؤول الإعلام العربي (الموحد) لأعلنت في بيان رسمي خلو نهاية الأسبوع من أي طارئ جديد يستحق الذكر وسلامة موسم أخبار نهاية الأسبوع من أي كوارث غير المعتادة. سبات الأمس أو سبته لا يشبه سوى سبات هذا العالم العربي: حتى مع الكوارث والحروب والقتل والمظاهرات، يدمن عالمنا العربي هذه النمطية حتى تكاد تتخيل أنه يعيش لأكثر من عامين بنشرة أخبار واحدة تستطيع نسخها من اليوم للذي يليه ومن الأسبوع للشهر للعام بذات الهيكل والتفاصيل. ولن أبالغ إن قلت: بذات حركة الشفاه من فم المذيعة الفاتنة من العربية أو الجزيرة. لأكثر من عامين ونحن مع ما يلي وإليكم موجز النشرة: أكثر من ستين قتيلاً بنيران النظام في سورية معظمهم في ... و.... ولكم أن تملؤوا الفراغات. عشرات المتظاهرين يخرجون اليوم في المدن المصرية احتجاجاً على النقص الحاد في المازوت والسولار والخبز وحزب..... يهدد بالخروج في مليونية للاحتجاج على ..... و..... و.... ولكم أن تكملوا الفراغات. ليبيا دولة تخرج من الخريطة وكل أخبارها دولة (صومال) أخرى ولكن بتماسك وبنيران ميليشيات أقل. تونس تمنح أصواتها لحزب النهضة الإسلامي ثم تمنع السلفي من ممارسة حقه المشروع في العقد الديموقراطي، وكأن الحل الإسلامي محصور في الخيار بين فاكهتين. بقي اليمن برهانا وحيدا على حضارة اليمني وعمقه لأن اليمن رغم آلاف المشاكل يعيش في هدوء عن موجز الأخبار.
اليمن، وهذا ليس من عندي، واحد من أفقر بلدان الدنيا ومن أكثرها في نسبة الأمية. هو وحده برهان مؤكد على أن العربي كلما ازداد تعليمه ازداد عنفاً وجهلاً وتنظيراً وسفسطة. هو برهان على أن التعليم في العالم العربي مجرد تكريس للجدل وإذكاء للطائفية والإثنية وثارات ضد المذاهب والأعراق، وإلا: أعطوني على الخريطة العربية مجتمعاً يبز هذا اليمن في التنوع الطائفي والمذهبي والقبلي، في التضاريس والتاريخ والجغرافيا والانتماءات السياسية. اليمن برهان على أن الثورات العربية يجب أن تكون ضد هذا النمط من التعليم الذي يكرس الجهل والتخلف. هو مثال على أن المجتمع الحضاري هو المجتمع الذي يكره أن يكون في نشرة الأخبار.