قبل أسبوع كنت في لقاء مع مسؤول في إحدى الجهات، وكنت أناقشه في جزئية مهمة تتعلق بأفكار تطويرية مطروحة منذ فترة ونسمع عنها ولا نراها على أرض الواقع، فقال لي: إنه متوقف عن اتخاذ بعض القرارات الإيجابية، التي ستصب في مصلحة كل من لهم علاقة بالقطاع الذي هو مسؤول عنه من المواطنين والمقيمين؛ لأنه لا يريد أن يخسر زملاءه في العمل، ولا يريد أن يغير من واقع اعتاد من يعملون معه عليه لسنوات طويلة، خاصة وأن الأفكار التطويرية مرتبطة بعقوبات تقع بحق المقصرين وغير الفاعلين والمتفاعلين مع هذه الأفكار، وعندما ضغطت عليه وعاتبته وألقيت باللوم عليه لواقع حال العمل الذي هو مسؤول عنه، وكيف أن شكوى الناس بلغت حد الدعاء عليهم، قال لي: أنا لم يبق لي سوى فترة محدودة ثم سأتقاعد، ولا أود أن أترك العمل وقد خسرت زملاء وأناسا عملت معهم سنوات طويلة!.

لن أروي كل تفاصيل حديثي مع هذا المسؤول، لكنني خرجت من مكتبه وقلت في نفسي، لا يمكن لعمل يقوده مثل هذا الشخص أن ينجح أو يتغير، فالعلة أحيانا ليست في عدم توفر المال أو عدم اعتماد الميزانيات المناسبة، بل العلة أحيانا تكون في الأشخاص المعنيين بإدارة بعض المشاريع، خاصة إذا كانت هذه المشاريع مرتبطة بجوانب فكرية وإبداعية.

خرجت منه وقد تعزز لدي اقتناع أن واحدا من أهم أسباب تعثر الكثير من قرارات الإصلاح والتطوير والتحديث التي تبنتها الكثير من الإدارات والجهات استجابة لتوجهات وتوجيهات الدولة وجود مثل صاحبنا هذا، فهناك قياديون وصلوا لمناصب مهمة عطفا على سنوات الخبرة الطويلة التي قضوها في العمل فحصلوا على الترقيات الوظيفية سنة بعد سنة، إلى أن تولوا رئاسة بعض الإدارات المهمة، لكنهم لا يملكون أي سمات تساعدهم على التطوير والتحديث ومواكبة العصر بتقنياته وآلياته وعلومه، ولهذا بتنا نعاني ليس من المشاريع المتعثرة فقط، بل من وجود قرارات وأفكار ومبادرات جميلة لكنها متعثرة والسبب هو وجود مثل تلك العقليات التي إما أنها عاجزة عن مواكبة الجديد، أو لأنها من صنف صاحبنا الذي لا يريد أن يكون سببا في "زعل" أصحابه، أو لوجود أشخاص غير مناسبين في أماكن مهمة وحيوية.

وفي ظني أن مثل هؤلاء المسؤولين لا ينبغي أن يكونوا على رأس أي عمل، وينبغي إحالتهم فورا إلى التقاعد، وإسناد مهامهم لمن يضعون مصلحة الوطن والمواطنين فوق كل اعتبار، ولمن لديهم سمات تساعدهم على المساهمة بشكل واضح ولافت في التطوير والتحديث.