ـ 1 ـ
قبل اختراع القلم كان الكاتب يصلح ريشته ويسوّي رأسها.. تطور الأمر بالمبدعين من العرب فصار الخطاط فيهم يقطّ قصبته.. وبعدما اخترعوا أقلام الحبر السائل والجاف، لم يعد للمبراة استخدام لدى الكاتب سوى لتدبيب قلم الرصاص.. واليوم انتهى عصر المبراة ودواة الحبر. ظهر الكمبيوتر وصار الكاتب "الماهر" يسنّ كيبورده ويكتب.
ـ 2 ـ
قال حكيمهم: أعطِ القوس باريها..
أما باريها فهو ناحتها، وأما البري فهو النحت..
وفي اللغة: بَرَى العُودَ والقَلم والقِدْحَ وغيرها يَبْريه بَرْياٌ نَحَتَه. وابْتراه كَبراه؛ قال طَرَفة:
من خُطوبٍ، حَدَثَتْ أَمْثالُها
تَبْتَرِي عُودَ القَوِيِّ المُسْتَمِرّ
وقد انْبَرَى وقوم يقولون: هو يَبْرُو القَلم، وهم الذين يقولون هو يَقْلُو البُرَّ، قال: بَرَوْتُ العُود والقلم بَرْواٌ لغة في بَرَيْتُ، والياء أَعلى. والمِبراةُ الحديدة التي يُبْرَى بها.
ـ 3 ـ
انبرى الدكتور أحمد البغدادي ليصلح ما اعتبره خطأً.. أراد لولده أن يتعلم فكر التسامح وثقافة العصر.. هاجمه البعض وشنوا حملة عليه وقاضوه..
رحل أحمد البغدادي منذ 3 أيام، لكنه رؤيته ستبقى وسيكتب التاريخ أنه كان من أهم مثقفي بلده في زمنه.
ـ 4 ـ
في أحد الاستفتاءات في بلد من العالم الثالث عشر برت اللجان الانتخابية أقلامها ودببتها "حتى النخاع".
بأسلوب ديمقراطي.. وعلى ورقة الاستفتاء كان أمام من سيدلون بأصواتهم خياران؛ فإما أن يضعوا بالأقلام المبرية علامة (صح) عند كلمة (نعم) أو علامة (صح) عند كلمة (نعم).
ـ 5 ـ
يبرون الأقلام فتظل بقايا البري... ومن البقايا لو أرادوا لصنعوا أعمالا فنية إبداعية، يتداخل فيها "الكولاج" بالإنسان فيرتسم "الوطن" حيث يكون الدفء محلقاً بين السطور.
ـ 6 ـ
ذات بريد إلكتروني قد تتسلل إلى الكومبيوتر مبراة ما، ربما يكون بها فيروس لمجموعة بريدية تهبط من حيث لا يدري، تعكس الأشياء أمامه فتمحو يومه وغده الذي سيأتي، وتبقي على أمسه الذي سلف.
ـ 7 ـ
هو "ماهر" ببري القلم، يتقن كيف يجعل منه "فتنة" للذين يحبون الكتابة.. ويجيد أيضاً استخدامه من مختلف الجهات.. للأعلى والأسفل.. لليسار واليمين. لم يكن متقلباً بل مقلوباً.. إن صعد على الدرج اهتزت الطوابق لصوت الرعد.. تشهد الجدران على حالته، ويشهد النازلون في أزمنة لا تعرف الصعود.
حين يغدو وحيداً في غرفته يمارس طقوس الجنون فيكتب ويكتب، يحطم القلم ويبريه ثانية ليدوّن جنونه، ويعاود الهطول.