• المحصلة المؤلمة منذ بدء تعليمنا، بقاء "الاختبارات" كأداة تمارس بكل (إرهاب) في استنزاف وقتل روح الإبداع الكامن في طلابنا، ولتشارك عنوةً في نفورهم مع مدارس (طاردة) في الأصل.. يؤيد ذلك أسفاً مشاهد مكرورة تبدأ باستنفار أسري كلزمة سعودية وهاجس كبير للمجتمع وأمنه.. وعامل مهم في تهديد مستقبل الطلاب العلمي ويتعداه إلى النفسي والسلوكي لنقرأ محاولات غش مستميتة بطرق إبداعية، وتجمعات طلابية وحوادث (درباوية)، وسوق مخدرات... لتنتهي أسفاً بتمزيق الكتب الدراسية (انتقاماً) بعد الخروج من قاعة الامتحانات مباشرة، في أسوأ منظر يشوه العملية التعليمية برمتها!
• مواد الدين لم تسلم من السلوك النفسي القهري لإفرازات ومخرجات تعليمنا، فلم تفد اثنا عشر عاماً وخمسة مقررات دينية، ولم تشفع برمي وتمزيق كتب مقدسة تحمل آيات قرآنية وأحاديث نبوية بامتهان مقيت في كل زوايا المدرسة وما حولها.. ورغم علمنا بأن الحلول الموضعية ليست حلاً، ولكن على الأقل حتى يأتي (الفرج) من عند الله، فيمكن وضع تأمين سنوي للكتب ولا يسترجع لولي الأمر إلا بعد تسليم الكتب. درجات السلوك يمكن تفعيلها كذلك.
• وفي منعطف قنوات التواصل الاجتماعي وأجهزة المعلمين والطلاب الهاتفية، نجدها أصبحت مرتعاً خصباً تتناقل فيه نماذج متنوعة من غرائب ونوادر التعليقات المدونة على أوراق الإجابات بمنأى عن مادة الاختبار لتسلك طرقا مختلفة تضجراً من صعوبة أسئلة الاختبار، وأخرى يحفها طابع التودد والاستعطاف، وثالثة يائسة من تجاوز الامتحان، وأخرى تسلك جانباً "درام_كوميدي" يجعلك تبكي فجيعة مما وصلت إليه الإجابات كدليل على مخرجات تعليمنا المستنزف بدءاً من الاستهتار بالتعليم، وخذلان لطموح الغد، وأخطاء نحو تعليمنا وطرقه ومناهجه حتى قياسه بورقة بيضاء جعلنا منها قصةً تتحكم في مستقبل أبنائنا وعقولهم.
• (الاختبارات) خطرٌ تعلُّمي حذر منه كثير من علماء التربية والنظم التعليمية الدولية وانتقدتها كأداة حاكمة (وحيدة) مقيّدة للإنسان في دراسته بالنجاح والفشل، والحكم على معرفته وخبرته واتجاهاته واستعداداته ونشاطه، ولكن تعليمنا يأبى إلا أن (يقَدّس) الاختبارات ويجعلها ركناً وحيداً، أهمل فيه بقية طرق القياس وأساليب شمولية تتناول مساحات مستويات التعلم التي اكتسبها الطالب من خلال دراسته لعام كامل كمطلب تعليمي حديث وعادل في نفس الوقت!
• نتيجة اختبارات طلابنا ليست المقياس الوحيد لتعليمهم وتعلمهم، وهي لا تعني أيضاً أن الطالب الذي يكون تحصيله متدنياً هو طالب ضعيف علمياً ولم يتعلم أو تتقدم خبراته وقدراته واستعداداته، والعكس كذلك، ليبقى السؤال الأهم بطرحه علمياً ومنطقياً، هل النتائج (العلامات) التي يحصل عليها الطالب في مدارسنا تعكس وتمثل واقعه المعرفي والمهاري فعلاً؟
• في ظل المعطيات السابقة، يؤلمنا كثيراً حد الدهشة تلك الممارسات المكرورة "فصليّاً" لطلابنا دون حلول ملموسة أو انتفاضة من قبل وزارة التربية والتعليم لدراسة هذه الظواهر وإعادة النظر بطريقة علميّة بحثيّة في بيئاتها التربوية الطاردة، بمعالجة تطبيقية لا "تعميمية" بخطط مدروسة حفظناها عن ظهر غيب قد تلحق بمشروع "تطوير" الذي ما زلنا على أمل اللقاء به يوماً!.. وحتى ذلك اليوم فلنسأل أنفسنا.. ما الذي حدا بطلابنا جرأةً واستهتاراً نحو العملية التعليمية بتلك الظواهر السلوكية؟ ومن مزق كتباً وصل إلى كتب مقدسة؟ وكيف أصبحت المؤسسة التربوية شريكاً في نمو تلك الظواهر؟ ومتى تعود للتعليم هيبته بدءاً من المعلم حتى أوراق الإجابات؟ أما الحلقة الأقوى.. فمتى تكون مدارسنا بيئة جاذبة في ظل ضبابية قرارات وتعاميم متهالكة جعلت من تعليمنا بيئة طاردة حتى تاريخه؟!