المشاريع أوالكيانات التجارية المستثمرة خارج حدود دولتها التي تنتمي إليها تحتاج دوما إلى تقييم البيئة الجديدة التي ستعمل فيها، ويخضع هذا التقييم لعدد من المعايير المهمة التي تبني عليها الشركة قرارها بشأن الاستثمار من عدمه في تلك البيئة الجديدة، ومن هذه المعايير معيار "مخاطر الاستثمار".

مخاطر الاستثمار هي المخاطر المحيطة باستثمارات هذا الكيان التجاري في هذه الدولة التي ينوي الاستثمار فيها، ومن أمثلة هذه المخاطر "المخاطر السياسية" المتمثلة في مدى استقرار الدولة سياسيا وأثر ذلك الاستقرار على القرارات السيادية التي من الممكن أن تأخذها الدولة بشأن الاستثمار بشكل عام وبشأن الاستثمار الأجنبي بشكل خاص، ولعل دول الربيع العربي، مثل ليبيا ومصر واليمن وتونس، تكون من الأمثلة الجيدة للدول غير المستقرة سياسيا.

ومن هذه المخاطر ما يتعلق بالعملة المتداولة في البلد المتوجه إليه من حيث التذبذب والاستقرار وثبات سعر الصرف مقارنة بعملة دولة المقر، وهنالك عديد من الشركات الدولية التي لديها إدارة مالية كاملة تعنى بإدارة صرف العملات وفقا لمعايير معينة كي تضمن أن يكون تحويل العملة دائما لصالح هذه الشركات، وقد رأيت في الدفاتر المالية لإحدى الشركات أن أرباح فوارق سعر الصرف تجاوزت عشرة ملايين دولار في مقابل خسائر قاربت خمسة ملايين في العام السابق.

ومن المخاطر التي ينظر إليها المستثمر الأجنبي ما يتعلق بالضرائب، لا من حيث نسبها فحسب، وإنما ،أيضا، من حيث المميزات المرتبطة بها، ومن ذلك ما يتعلق باتفاقيات تلافي الازدواج الضريبي بين دولة المقر وبين الدولة التي يتم الاستثمار فيها، وكذلك ما يتعلق بنسب الضريبة على الدخل ثم على الأرباح، ومدى ارتباطهما بمعايير محددة، بحيث تضع الشركة خططها وفقا للصافي من المصاريف والدخل بعد حساب الضرائب والتعامل معها بالشكل الملائم.

وفي أمر متصل بالعملة والضرائب هنالك مخاطر التحويل المالي للأرباح لدولة المقر، وهو أمر مرتبط بسياسة الدولة بشأن العملة الصعبة وإبقاء رؤوس الأموال المستثمرة وتدويرها داخل الدولة، فهنالك العديد من الدول التي تضع تراتيب وقيودا معينة على الاستثمارات الدولية بشأن تحويل الأموال للخارج.

ومن أهم المخاطر، التي تمس كل هذه الجوانب مجتمعة وتتفرع عنها أخرى، ما يعرف بـ"المخاطر القانونية" أو Legal Risks والمخاطر القانونية تعنى بدراسة البيئة القانونية التي ستعمل الشركة فيها أومن خلالها ومدى توائمها مع طبيعة أعمال الشركة بشكل عام، فلا يمكن مثلا لشركة تعمل في تربية الخنازير أن تأخذ قرارا بالاستثمار في مجال تربية الخنازير في دولة تمنع ذلك، أو تتاجر بالمشروبات الروحية في دولة تمنع هذه المشروبات وبيعها، بل وتجرمه، لأن هذه الشركة ستكون مخالفة لقانون هذه الدولة بمجرد أن تبدأ العمل.

لا يقتصر دور المخاطر القانونية على معرفة مدى قانونية عمل الشركة، وإنما هنالك عدد من النقاط الأخرى التي يجب تقييمها في مجال المخاطر القانونية، والتي قد يكون من نتيجتها أن ترفض الدولة الاستثمار في هذا البلد مهما كانت جاذبيته لهم، ومن هذه المخاطر ما يتعلق بآليات التشريع والقضاء والتنفيذ في هذه الدولة التي يرغبون الاستثمار فيها، حيث يتم النظر في مدى حداثة الأنظمة القائمة ومدى مواكبتها لتطورات العصر، وما هي مشاريع التطوير القائمة لدى المجالس التشريعية والمدى الزمني لإقرارها، وكذلك مدى اتساق التطبيق على أرض الواقع لتلك الأنظمة والقوانين مع النصوص المعتمدة، والأهم من ذلك ما يتعلق بالجوانب القضائية والترافع من حيث وضوح البيئة النظامية واختصاص المحاكم وآماد التقاضي وآليات التعويض، والأهم من هذا وذاك ما يتعلق بجانب التنفيذ، سواء للأحكام المحلية أو الأحكام الأجنبية وآليات وإجراءات التنفيذ ومدى فاعليتها. أيضا مدى ثبات الأنظمة وفاعليتها وأثر القرارات الفردية والتعاميم الداخلية عليها.

إن قوة البيئة القانونية في بلد ما واستقرارها هي أحد أهم معايير جذب الاستثمارات الأجنبية والحفاظ على المحلية. والحق يقال إنه ما زال أمامنا الكثير في المملكة لنجعل من البيئة النظامية لدينا بيئة منخفضة المخاطر، ولا أدل على ذلك من قرارات وزارة العمل الأخيرة بشأن رسوم العمالة التي أرهقت كاهل الكثير من الشركات، ليس لأنها ثقيلة، بل لأنها مفاجئة ودون معول نظامي يمكن المستثمر من أن يضعها في حسابه وأن يأخذها بعين الاعتبار.

إننا بحاجة لتطوير البيئة النظامية في المملكة، بحيث تكون بيئة حديثة الأنظمة، واضحة المعالم والتوقعات، قليلة المفاجآت للعاملين فيها ومن خلالها، فقرار مثل قرار وزارة العمل يعني أنه يجب على المستثمر أن يرفع أسعاره وأن يزيد من مستوى هامش الربح لتغطية عدم القدرة على التوقع، سواء في مجال العمالة أو غيرها من المجالات، مثل الضرائب والرسوم الجمركية وغيرها، وهو ما يضر، بلا شك، باقتصادنا وتنميتنا.