عاما بعد آخر، ترتفع موازنات القنوات الفضائية، خاصة تلك الموجهة للعائلة بالمنوعات والترفيه والدراما، لمواجهة التنافس الشرس بين الشاشات الصغيرة على كعكة المشاهدة في رمضان.

لا أحد يملك أرقاما واضحة ومحددة، لكن المقربين من مؤسسات التلفزة يعرفون جيدا أن أرقاما فلكية تكتب عقودها للموسم الأكثر مشاهدة، وقد تصل في قيمتها العقود التي توقع بقية أشهر السنة.

شهر واحد فقط يستحوذ على نصف ميزانية العام كله في العمل الإنتاجي، وهذا يعني أن مداخيل القنوات ترتفع في رمضان بشكل يستوجب معه رفع الكلفة الإنتاجية إلى الحد الأقصى.

الإنتاج في غالبه يقتصر على الدراما، ويتخلل ذلك بعض البرامج والمسابقات، لكن الدراما تستأسد في رمضان فتلتهم كل شيء، وإليها تتسابق الشركات للإعلان، وهنا لا تستغرب إذا وجدت شركات لا ترى إعلانها إلا في رمضان.

المشاهد في هذا الموسم يمكن تصنيفه كـ"ضحية"، تقدم لها القنوات الطعم "دراما" وهي في الحقيقة تقدم له "إعلانا"، وهذا أمر طبيعي في عالم الإعلام، لكن غير الطبيعي أن يقدم للمشاهد مسلسلا فاصله الإعلاني أطول من وصلة العرض.

سباق محموم باتجاه المشاهد من الجميع، التلفزيون الذي يرغب في رفع نسبة مشاهدته، شركات الإنتاج الدرامي التي تروج لبضاعتها، المعلن الباحث عن مستهلك، وأخيرا وليس آخرا النجم الذي يبحث له عن مكان في قلب المشاهد المسكين.

التلفزيون يصيب المشاهد بالتخمة في رمضان، فهناك من يدخل في حالة مرضية ويتوقف بالفعل عن المشاهدة حرصا على صحته، وهناك من يتحلى بالصبر ويواصل الثلاثين يوما على مضض، وهناك من يستمتع بالتخمة، وهذا النوع هو أصلا مشاهد مخلص طيلة أيام السنة، ورمضان بالنسبة له موسم لرد الجميل ومتعة ليس لها نهاية.