الاشتغال النقدي الممنهج المتكئ على الدراية العلمية والقراءة المعمقة لنتاج المبدعين والطواف على ما أنتجته الحضارة الإنسانية من فنون شتى شكلت بنية المجتمعات البشرية لا يمكن له أن يدع منتجا دون أن يتذوقه ثم يقترب إليه سابرا أغواره وتفاصيله وطرائق تمظهره حتى وصوله إلى المتلقي، بل يذهب أبعد من ذلك فيعمل على استكناه الأثر على المتلقي وما إذا كان الأثر محفزا إلى الرقي بالمشهد عموما أم أنه سيهوي به كما يحدث في بعض أعمال من ادعوا الإبداع والفكر والثقافة واقتاتوا على هذا الادعاء الباطل فيما هم براء منه تطفح البراءة تلك من منطقهم وأساليبهم التعبيرية، ورؤاهم السطحية.

بين يدي الآن مجموعات قصصية، وشعرية وكتاب تاريخي كما وصفها كتابها، والحق أن ما قرأته ووفق ما أزعم أني أتقنه من أدوات القراءة والنقد طيلة ربع قرن لا يمت للإبداع ولا الثقافة أو المنهج التاريخي بأي صفة أو صلة سوى أن أصحاب تلكم الأضابير أرادوا أن يكون لهم شأن في الميدان فعملوا على رصف الكلمات دون التفات إلى ما تعنيه، وسبك عبارات وسياقات نشاز هي إلى التهويم والفوضى والطلاسم أقرب من أن تكون جملا مستقيمة مفهومة، أما صاحب المدونة التاريخية فكان رفيقا لحاطب الليل الذي نعرفه جميعا، فجعل يلتقط ما يسقط عن صاحبه، فكان جمعه نثار النثار وهباء الغثاء.

وما ينطبق على العينة التي حدثتكم عنها يصدق في الواقع الأدبي، فكم اسم طبقت شهرته الآفاق عندنا وحين تقترب منه تجد كيانا نمطيا خاويا تخاله لم يقرأ كتابا منذ زمن، ولكن علاقات الصحافة والنشر وتساهل المشرفين على الملحقات الأدبية، وما أتيح اليوم من وسائط النقل والاقتباس والتواصل والقص واللصق قد جعلت صاحبنا في مقام المثقف الحاضر.

أما في المشهد المسرحي فحدّث ولا حرج، فكثير ممن ادعوا وصلا بليلى أبعد ما يكونون عن الفن وأسسه، صحيح أن الحراك يراد له الموات بعدم إيجاد مقوماته، غير أن أضعف الإيمان أن يثقف المرء نفسه، ولعل اللجان المسرحية في جمعيات الثقافة والفنون خير مرتع لبعض أؤلئك الطفيليين الذين وجدوا الباب على مصراعيه فولجوا إلى غير مكانهم وارتقوا مرتقى صعبا ليس لهم، فصار ما نرى من ضحالة وتراجع.

ولهذا فليست كل الأعمال تستحق أن يطالها المشرط النقدي، فهي دون مستواه، وعليها أن تعمل صادقة لتثيره فيلتفت.