مهما سردنا من أسباب ومبررات سيظل العنف الأسري والتفكك من أقوى مبررات هروب اليافعين أو انخراطهم في دروب الجريمة، وتعرضهم بالتالي للاستغلال والإدمان والانحراف. تؤرق ظاهرة هروب الفتيات المجتمع، ووزارتا الداخلية والشؤون الاجتماعية بالتعاون مع هيئة الأمر بالمعروف تتجه لدراسة الظاهرة بعد تقديرها لعدد الهاربات بـ3 آلاف فتاة، ومع تباين حدة الحالات المؤدية للهروب إلا أن عوامل وأسبابا موضوعية قد تكون مستحقة للاستثناء بحسب الحالة وظروفها وأسباب وقوع الظلم عليها أو انحرافها.

في ورشة عمل تستهدف "نشر ثقافة حقوق الإنسان" جمعتني بخبيرة قالت لي إن النظام لدينا يعاقب الفتاة التي تهرب، وتعد جريمة (الهروب) وصمة عار تطال حياتها ومستقبلها، هنا لا أتحدث عن الهاربة عن سابق تخطيط وإلى منازل غير المحارم والأقارب، إنما أتناول الحالات التي يطالها العنف فتهرب إلى منزل الخال والعم احتماء به وطلبا لإصلاح ذات البين.. بحسب ما فهمت تعد هذه الحالة استثناء ويترفق بهذه الفئة، في حال تأكيد الأقارب هروب الفتاة إليهم لطلب الحماية نتيجة العنف الممارس ضدها تسقط القضية وتعالج حالتها.

السؤال: من يعي اليافعات بخطورة التفكير في الهروب أو الانتحار؟ وهل يتوفر لدى أولياء الأمور الوقت اللازم لتوضيح حجم العقوبات؟ هل لدينا وعي مجتمعي بحقوق اليافعين؟! بعض أسباب هروب الفتيات مشتركة، مثل عجز الوالدين عن الاحتواء واستشراء القسوة والتربية الصارمة، وتفضيل الذكور على الإناث، وتفشي الروح الاستهلاكية التي تنهش المجتمع وسط غلاء معيشي يشكل ضغطا نفسيا.

كل ذلك وأكثر، قد لا تبرز خلاله جهود ملموسة تبذل ممثلة في هيئة حقوق الإنسان التي قطعت شوطا ممتدا تجسد في عدة فعاليات، آخرها ورشة (أساليب اكتشاف حالات العنف ضد الأطفال وسبل معالجتها- مايو 2013) وقبلها الملتقى التوعوي الحقوقي الأول (آلية التعامل مع حالات العنف – أبريل2013).. من خلال ورش العمل المذكورة، وطبقا لما تعنى به الخطة الدولية "البرنامج العالمي للتثقيف بمجال حقوق الإنسان" نلحظ تركيزا لا يواكبه الضوء الإعلامي الوطني لتفعيل خطة نشر ثقافة حقوق الإنسان كما يجب، لا عبر وزارة التربية والتعليم (المستهدف الأول من تطبيقات الخطة الدولية) ولا على مستوى هيئة حقوق الإنسان، الجهة العاملة على تنفيذ بنود التثقيف بمجال حقوق الإنسان في المنظومة المدرسية، خاصة حقوق الإنسان في منظومتي المدارس للمرحلتين الابتدائية والثانوية.