يتردد مصطلح الحلم الأميركي American Dream في خطابات الرؤساء الأميركيين كثيراً، ولا سيما في خطاب (حالة الاتحاد) الشهري الذي يتناول فيه أي رئيس أميركي المسائل الداخلية والخارجية لبلاده، وينفخ في سامعيه من مواطنيه عبر التركيز على (الحلم الأميركي) باعثاً الهمم في أمة كبيرة وقوية، ولكنها مصابة بالكثير من الأمراض والعاهات في الداخل، والكدمات في الخارج؟!

وخلال القرن الماضي أصدرت "هوليوود" المئات من الأفلام السينمائية عن ذلك الحلم من أشهرها: طبول عل امتداد الماهوك - 1939- بالإضافة إلى أفلام الغرب Western المعروفة، كما قذفت المطابع بالعشرات من الكتب، حول هذا الموضوع، معتبرة أن بداية الحلم الأميركي هو الاستقلال أولاً عن بريطانيا - 1776- وظهور الآباء المؤسسين الأوائل كجورج واشنطن وتوماس جيفرسون وإبراهام لينكولن الذي دفع حياته ثمناً لقيام الاتحاد الأميركي، بعد الحرب الأهلية التي انتصرت فيها إرادة الاتحاد.

أميركا التي نعرفها اليوم هي مجموعة من المهاجرين الذين فروا من الحروب والفقر والتعصب الديني في أوروبا، بعد القرن الخامس عشر، لقد كانت محاكم الإيمان أو (التفتيش) وصمة عار في التاريخ الأوروبي، والكنيسة المسيحية، ولا سيما الكاثوليكية لم يستطع التقادم محوها، فقد سيق إليها الآلاف من الدهماء والمئات من المثقفين والفلاسفة والكتّاب الأحرار، بتهمة الهرطقة والإلحاد ولم يسلم من أذى تلك المحاكم الظالمة إلى درجة القسوة أحد من النصارى وحتى المسلمين واليهود في إسبانيا بعد سقوط غرناطة -1492- لإجبارهم على التنصّر والارتداد عن دينهم أو إخفائه، كما فعل بعض من فضّل البقاء منهم وسموا بالمورسبكيين.

وإذا كان الحلم الأميركي هو مصدر الإلهام لوطنية معظم الأميركيين، فإن هذا الحلم تعرض للكثير من التهشيم منذ الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم، وكانت مأساة (بيرل هاربر) أول كدمة في الأنف الأميركي المتورم بالاعتداد بالنفس وبغرور القوة العسكرية، وجبروت القدرة التكنولوجية.

ثم تتالت الكدمات في فيتنام بعد ذلك ثم في أفعانستان والعراق أخيراً، بعد الضربة الدامية والموجعة ليس للأنف الأميركي وإنما للقلب النابض (نيويورك) في أيلول سبتمبر 2001 مما حط من هيبة الحلم الأميركي حت في عقر داره!

ومن يعيش في أميركا ولو لفترة قصيرة مثلي يدرك مدى زيف ذلك الحلم الخادع، فاليهود و"المافيا" والربا والقمار والتفكك العائلي والتفسخ الأخلاقي كلها مجتمعة تنخر كالسوس في عضلات أميركا القوية اقتصادياً وسياسياً، مؤذنة بسقوط العملاق ربما في المستقبل المنظور!

بل إن ديون الحكومة الأميركية تقترب تدريجياً من العشرين تريليون دولار، 16,6 حاليا، إنها دولة مفلسة حقا؟!

قبل أكثر من 30 سنة كنت مع مجموعة من الطلبة العرب والأجانب في فصل لتعليم اللغة الإنجليزية بمدينة (بورتلند) الجميلة بولاية أوريجون في الغرب الأميركي، فيه حوالي أربعين شاباً وشابة من العالم، وعندما سألتنا المدرسة عن عدد الولايات المتحدة الأميركية رفعت يدي بسرعة فأعطتني المعلمة حق الجواب الذي كان مؤلماً وساخراً، فقد جعلتها واحدة وخمسين ولاية بدل الخمسين التي يرفرف بها العلم الأميركي في العالم، فسألتني المعلمة مستغربة.. وما هي الولاية الواحدة والخمسين؟ قلت فوراً: إسرائيل!! فامتقع وجهها وأسكتتني ولم تطردني لحسن الحظ من الفصل، بينما صفق لي العرب، ونظر إلي بقية الزملاء نظرة تساؤل واستغراب؟!

ومع حبي لأميركا الأرض والشعب كما شاهدتها، فإن السياسة الأميركية وفي كل العهود منحازة للباطل الإسرائيلي ضد الحق العربي، وتنادي بالحرية والديموقراطية وتنتهكها في كل مكان في العالم، بل إن الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض يسبق، ويا للأسف، الناطق الإسرائيلي في شجب واستنكار وإدانة النضال والعمليات الفلسطينية المشروعة، وهذا الظلم سيحطم الحلم الأميركي (الرومانسي) إن عاجلاً أو آجلاً.. والله أعلم.