كل الدلالات الأخيرة على الساحة السورية تشير إلى تحولات مغايرة تماماً لتطلعات المعارضة السورية وشباب الثورة الذين قدموا ثمناً كبيراً وقرباناً غالياً من دمائهم وأرواحهم. والحال كذلك مع كل تطلعاتنا ودعمنا المعنوي والمادي لإجراء التحول في سورية.

كنا في بداية الثورة نعول على حدوث التغيير وسقوط النظام خلال أشهر بسيطة، لكن هذه الأشهر طالت، وحجم الفاتورة التي يدفعها أهلنا في سورية يرتفع بشكل يومي. كنا نراهن على التدخل الأميركي أو الأوروبي على الأرض، لكن الدعم لم يتجاوز حدود المؤتمرات الصحفية والكلام الذي لا يغير على الواقع شيئاً.

كانت المعارضة السورية في حاجة للسلاح النوعي والكمي أو التدخل العسكري، كما حدث في ليبيا مثلاً، أو ربما كان الأحرى أن يتم تحييد روسيا ولجم ايران من خلال موقف عربي موحد يضع في الحسبان الدور الإيراني المتعاظم على الأرض العربية، لكن هذه التطلعات والأماني توارت خلال العامين الماضيين.

ها هو النظام لا يزال صامداً بعد كل هذا التطاحن، فيما تشير الأنباء إلى أن واشنطن قد تراجعت أيضاً عن اشتراط تنحي الأسد قبل البدء في عملية الانتقال السياسي الذي سيتم بحثه في "جنيف-2".

وعلى الأرض فإن الجيش الحر يصارع بيد واحدة في مواجهة أرتال من السلاح الذي لا ينقطع مدده وفيالق من المحاربين يأتون تباعاً من العراق.. ومن لبنان ومن إيران.. وهم لا يستطيعون مقاومة الضرب من السماء ومن جهات الأرض الأربع.. ما زالوا في الجيش الحر يقاومون.. ويقاومون لكنهم – كما يظهر- على المدى القريب سيترنحون وربما يرفعون راية التسليم بفوارق القوة من حيث فوارق الدعم الذي يلقاه النظام، وفوارق الخذلان الذي يجدونه من القوى الكبرى التي كما يظهر أنها سلمت بقوة إيران وإصرارها على عدم التخلي عن مكاسبها التي خططت لها منذ انطلاق الثورة الإيرانية قبل ثلاثة عقود لترسو مراكبها على البحر المتوسط، فيما يتوزع مندوبوها على فروعها في لبنان والعراق واليمن، مع وجود قديم في بعض الجزر المنهوبة في الخليج وتحرش مستمر في البحرين، فيما تكرس وجودها صامتة في الكويت وصولاً إلى تعزيز مكانتها التي سعت لتحقيقها منذ أن وصل "الملالي" إلى إيران، ومنذ أن سخرت ثرواتها المالية لتصدير ثورتها وأجندتها وولاية فقيهها، وسعت لامتلاك القدرة على صناعة القنبلة النووية، حتى وإن جاء كل هذا على حساب تنمية الداخل، وعلى حساب رفاه الشعب الإيراني، وحتى مع كون أن كل هذا رتب على النظام كثيرا من الالتزامات المالية، مصحوبة بكثير من العنت نتيجة للعقوبات الاقتصادية الدولية. لكن هذه التضحيات الإيرانية المتوالية إنما تأتي على حساب تحقيق أهداف الثورة، وهي الهيمنة على المنطقة بما في ذلك تحييد الدور الأميركي الداعم سلفاً لإسرائيل، وهي التي سيهتز دورها وحجمها في المنطقة فور تملك إيران القنبلة النووية.

الأكيد أن الساحة السورية صارت ملعباً للقوى الكبرى والصغرى والإقليمية والدولية. ويظهر في الأفق أن النظام السوري قد استعان بمجموعة لاعبين محترفين يتوفرون على لياقة بدنية عالية وحضور ذهني رفيع، فيما ينزل الجيش الحر ساحة الملعب بلاعبين محليين، وربما يستعير عددا محدودا من اللاعبين ذوي اللياقة المتدنية، لكن معظم الدلائل ـ حتى الآن ـ تشير إلى أن إيران هي الرابح الأول للمباراة المحتدمة على ملعب الساحة السورية. الواقع الذي تعلمناه يقول إن من جد وجد ومن زرع حصد.. ليس في السياسة ثبات دائم في المواقف، بل بحسب المنافع وبحسب ما تفرضه المتغيرات تكون النتائج.