هذه قصة حقيقية رواها لي أحدهم.. أواخر الثمانينات الميلادية سافر عدد من الأصدقاء - عددهم أربعة - إلى بلاد الشام - رافعين شعار "الشام شامك إذا الزمان ضامك" - استأجروا شقة في أحد أحياء العاصمة السورية دمشق.. في الشقة كانت هناك سيدة تقوم بخدمتهم، وتتولى الطبخ والكنس والغسيل، إضافة لبعض الأعمال الأخرى.. كانت مديرة أعمال أكثر من كونها خادمة منزلية!
أمضوا قرابة الشهر.. كانت كفيلة إلى حد ما، بأن تسبر السيدة أغوارهم.. وأن تعرف مكنونات كل شخص وشخصيته.. وطريقة تفكيره.. بل وحتى طريقة تعامله مع الآخرين!
غادروا الشام.. وبعد عشر سنوات عاد ثلاثة منهم إلى الشام مرة أخرى - لا أعرف الأسماء بالمناسبة - واستأجروا ذات الشقة.. وحرصوا على الاستعانة بذات السيدة لخدمتهم - "وجهٍ تعرفه ولا وجهٍ تنكره" - استقبلتهم السيدة بحرارة.. وبعد أن جلسوا، وتناولوا الزهورات الشامية، سألتهم عن "حمود" رابع الأربعة: "وينو حمّووود.. ليش ما إجا معكون"؟!
أخبروها أن "حمود" تعيّن في مركز مرموق، وبات من الصعوبة عليهم مقابلته، فضلاً عن مرافقته لهم في سفر.. سكتت السيدة قليلاً.. كررت السؤال غير مستوعبة، وحصلت على ذات الإجابة.. وقفت ممسكة برأسها - وهنا الشاهد في الحكاية - وصرخت قائلة :"حموود ماغيروو .. حموود ماغيروو"؟!
كانت صدمتها مضاعفة.. فهي تعرف فيما يبدو أن "حمود" لا في العير ولا في النفير.. فكيف يتولى منصباً مرموقاً؟! لكنها الواسطة.. هي ما دفع بحمود ليتولى منصباً مرموقاً، وقذف بالبقية في غيابة النسيان والإهمال..
الخلاصة: سياسة "امسك لي واقطع لك" يمكن غض الطرف عنها، إلا حينما تغمط الناس حقوقهم.. وتمنح الفرصة لأناس دون غيرهم.. الأمر بات محبطاً.. التفت حولك ستجد أن هناك أكثر من "حمود" يتولون مناصب مهمة في قطاعات مهمة - حكومية وخاصة - وهم لا يستحقونها!