حينما تطأ قدماك مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، سواء كنت سائحا، أو في مهمة عمل، أو في رحلة استشفاء، ستقابلك عبارة يرددها الأتراك على مسامع زائريهم: "إذا لم تتذوق إسكندر كباب، فأنت لم تزر تركيا يا صديقي".
فمن الميناء البحري المعروف بـ"ميني كابي"، تستطيع أن تصل إلى أصل مكونات وجبة "إسكندر كباب"، التي ظهرت وفقا للمعلومات التاريخية في 1867، في مدينة بورصة التي تبعد ساعة ونصف عن إسطنبول باستخدام "العبَّارة البحرية".
أكلة "الإسكندر" لاقت رواجا عالميا، حيث لا تخلو عاصمة عربية أو أجنبية، من بيعها، وقد اكتشفها كبير الطهاة محمد أوغلي إسكندر أفندي، الذي اخترع وجبة "الشاورما"، والتي تعتمد على طهو اللحم على شواية عمودية باستخدام الفحم، تسمح لقطرات الدهن المنسابة للأسفل بسقاية اللحم، وقام أوغلي بتقطيع شرائح اللحم المطهو، ووضعها على قطع من الخبز، وأغرقها بصلصة البندورة والزبدة المدفأة، وقدمها مع اللبن، وحبات الفلفل المشوي، لتصبح هذه الأكلة سيدة الموائد التركية العريقة إلى يومنا هذا.
واليوم مضى على ظهور "إسكندر كباب" 145 عاما، وقد تحولت من كونها وجبة تقدم للزبائن إلى تراث قومي يفتخر بها الأتراك، وبخاصة أهالي "بورصة الخضراء" وهي المدينة الصناعية الثانية في البلاد.
ومن دلالات الفخر أن الملفات السياحية الحكومية التي تعرف بمدينة بورصة، تتضمن صورة تجمع كلا من رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان، مع حفيد عائلة إسكندر، والذي يدير المطعم الثالث، وهو يافوز إسكندر أوغلي، أثناء حفل افتتاح قصر "إسكندر أفندي" الأثري الخاص بالعائلة في 26 يوليو 2003، والذي انتقلوا إليه قبل 8 سنوات تقريبا.
ولن تتفاجأ حينما تجد تذوق طبق الإسكندر في برامج الشركات السياحية، بل إن زيارة المطعم تجدها ضمن قائمة الزيارات في أي برنامج سياحي، يقدم للمصطافين، وهذا ليس محسوبا فقط على العرب، بل حتى السياح الأجانب خاصة من الدول الأوروبية.
ويقول محافظ مدينة بورصة شهاب الدين خاربوط لـ"الوطن" "مطعم الإسكندر معلم سياحي للمحافظة، ونحن ننشط حاليا عبر مجموعات عمل بالتعاون من الخطوط الجوية التركية، والقنصلية التركية بجدة، لجذب 5 ملايين سائح إليها من أصل 30 مليون سائح يزورون تركيا سنويا".
وحتى لا تظل وجبة "إسكندر كباب" مجرد أكلة فقط، تم ربطها تاريخيا، عبر الانتقال إلى قصر تاريخي يعود للعائلة "قصر الإسكندر"، الذي يحمل فنون العمارة والثقافة العثمانية منذ القرن السابع عشر، ويهدف ذلك ـ بحسب كبير العاملين ـ إلى ربط الجسور بين القيم الأصلية والجيل الجديد.
السياح السعوديون يعدون من أكثر الزبائن العرب ترددا على هذا المطعم، يليهم الخليجيون، وفي "مذكرة الزيارات" الخاصة بالمطعم يسجل بعضهم عباراتهم، أحدهم عايض القحطاني من الجنوب كتب: "أشكرك على هذا الأكل الراقي، وهناك فرق بين إسكندر الأصل والتقليد، ولكني أعتب عليكم أنكم لم تفتحوا فرعا في السعودية".
يقول يافوز إسكندر (مدير المطعم) "ليس لنا أي فرع في الدول العربية، ونحن موجودون في الأماكن الأكثر كثافة "للمهاجرين الأتراك" في ألمانيا، واليونان، وجمهورية لاتفيا جعلت عائلتنا قنصلا فخريا لها في بورصة".
داخل المطعم، توجد غرفة مخصصة لكبار الزوار، تستطيع من خلالها مشاهدة التفاصيل التاريخية الدقيقة لمخترع "إسكندر كباب"، ففي الزاوية الجنوبية تشاهد لوحة قديمة باسم "كبابجي أوغلي إسكندر" كتبت في عهد العثمانين، والتي كانت موضوعة في أول محل للعائلة في سوق كيهان ببورصة الشهير في القرن التاسع عشر.
عاشقو الأكلة ليسو محصورين بـ"السياح" أو "السكان المحليين"، بل حتى من الوفود الرسمية الخارجية يجب أن تمر على هذا المطعم؛ لتمزج السياسة والاقتصاد بنكهة "الإسكندر كباب".
عصير العنب المجفف تكملة تتميز "الوجبة" بها. ويشير يافوز إسكندر أنه المشروب الذي لا يستغنى عنه منذ اكتشاف "كباب الشاورما" الخاص بنا، وهو يعد في مزارعنا الخاصة".