يا لهذا التناقض الذي يحاول السيد حسن نصر الله فرضه على الشعوب العربية. بكل بساطة يريد أن يجعل من نظام قابع طوال أربعين عاماً ولم يطلق رصاصة واحدة لتحرير أرض شعبه (الجولان) عنواناً لتحرير القدس وفلسطين كلها! في هذا التناقض تجاهل خطير للاستراتيجية المنسجمة طوال التاريخ الإسلامي التي رسمها عماد الدين زنكي ونور الدين محمود لتحرير القدس من الصليبيين، ابتداءً بضرورة الاستيلاء على سورية وتخليصها من الدويلات المتعاونة مع الصليبيين. وأكد هذا النهج من بعدهما صلاح الدين الأيوبي الذي وسع هذه الاستراتيجية ليستولي على مصر بعد أن كانت مصر خاصرة ضعيفة بسبب الحكم الفاطمي، تعيق إكمال الحلقة الإسلامية على الصليبيين في فلسطين، لذلك تمثل حرب حزب الله على السوريين في بلدة القصير تناقضاً وتهديداً لقوة هذه المنطقة.

أوقع هذا التناقض حزب الله في أخطاء عديدة تسببت في تراجع شعبيته، ولم تفلح معها الحجج التي استخدمها لتبرير تدخله ضد الشعب السوري، فبدت كل حجة متناقضة مع الأخرى. تأتي في مقدمتها تأمين المقاومة وتحرير القدس وفلسطين، وهي حجة لم يعد يتقبلها عاقل، فطوال الحربين على غزة لم يطلق حزب الله طلقة واحدة على إسرائيل لتخفيف الهجوم الوحشي على الفلسطينيين المحاصرين. إضافة إلى ذلك لم يعد بالإمكان تصديق حجة تدخل الجماعات الإسلامية في سورية، فخلال أكثر من عام على التظاهر السلمي لم يشارك أي عنصر إسلامي من خارج سورية رغم عمليات القمع والتعذيب والتدمير التي مارسها الأسد وشبيحته. على العكس من ذلك أثبتت الشواهد وجود جماعات من حزب الله ومن إيران شاركت وساعدت قوات الأسد في قتل شعبه، لذلك لم يفلح خطاب نصر الله باستخدام فلسطين في استجلاب أي تأييد في الشارع العربي، لأنه يتناقض مع مفهوم المقاومة.