كان مشهدا مخجلا ومقززا للغاية، الأسبوع الماضي وفي أحد أشهر المطارات العالمية، وبينما تمر كل رحلات الخطوط الجوية العالمية بسكينة وهدوء ورقي بالغ، تتعالى الأصوات صراخا وشتما وذما من صالة الخطوط الجوية العربية السعودية، وبينما يسير المسافرون إلى صالاتهم وخطوط طيرانهم بكل ثقة وارتياح، يرمون في طريقهم نظرة عابرة لهذا التجمع المخجل الناجم عن تأخر طائرة للخطوط السعودية واستبدال مقاعد ودرجات الركاب دون سابق إنذار ودون مبرر، يحدث هذا المشهد وغيره فقط لدى الخطوط الجوية العربية السعودية، وبمجرد أن تقترب من ذلك الزحام وتستمع إلى أصوات المسافرين، وتحمد الله كثيرا أنك بت تفضل العودة إلى أرض الوطن على خطوط غير وطنية، وبمجرد السؤال تتفاجأ بتفاهة ما يحدث: ركاب يتم تغيير درجات سفرهم على الخطوط السعودية دون أدنى احترام أو تقدير لهم. بينما لا يملك الموظف الذي تسدد له اللعنات والصراخ من المسافرين أي جواب أو تفسير، مما يؤكد أن طيراننا السعودي الوطني لم يعد مجرد رحلات تربك المطارات العالمية بتأخر مواعيدها، وإنما تصنع وجها غير حضاري لتلك المطارات.
في الواقع أصبحت خطوط الطيران في كل دول العالم مؤشرا على حالة الاستقرار التنموي لكل دولة، وأصبحت جزءا من شخصيتها الاعتبارية، وحين تسافر على أي من خطوط الطيران العالمية التي تعود لدول لا تقارن إمكاناتها بإمكاناتنا الاقتصادية، يجد الجميع نفسه مقتنعا بأن ما يحدث ناجم عن خلل في الرؤية والإدارة، وخلل في السياسة العامة للطيران السعودي.
ليس أكثر ما يجرح الوجدان السعودي الآن ويصيبه بالإحباط والنفور مثل ذلك الأداء المتردي الذي تقدمه الخطوط السعودية، حيث تعد الآن المصدر الأبرز لقصص التذمر بين كل شرائح المجتمع والسوء الذي يتندر الناس بابتكاره قصصا ومواقف لا تنتهي.
وفي كل واقعنا السعودي لم نشاهد جهازا من الأجهزة يحظى بهذا الإجماع الوطني على سوئه وفي ذات الوقت يقابل هذا الإجماع وتقابل هذه الشكاوى المتزايدة بهذا الصلف وبهذا الاستمرار في السوء والتردي الذي لم نعد بحاجة إلى موسم لاكتشافه فهو يمثل السمة الأبرز للخطوط في كل أيام السنة، ومع أنه ربما لا تخلو ذاكرة مواطن سعودي من موقف سلبي من الخطوط السعودية، ورغم كل الإجماع على سوئها إلا أن شيئا لم يحدث، بل حتى الأداء الإعلامي للخطوط وموقفها من الجماهير لا يقل صلفا وبدائية عن أدائها الخدمي.
الرحلات التي تتأخر دون مبرر ودون احترام للناس والموظفون الذي يتلكأون في الإجابة عن أي استفسار والرحلات التي يتم إلغاؤها بشكل مفاجئ، إضافة إلى حالات التردي والتهالك التي تعيشها مطاراتنا الوطنية والتي لا يقارن بعضها بمطارات أكثر الدول فقرا وحاجة كلها مظاهر لم بعد السؤال عن حدوثها بل عن بقاءها واستمرارها وسط هذا الصراخ الوطني والضجر الذي لا يتوقف.
الآن لا يحتاج السعوديون بعد كل هذه العلاقة المتوترة مع الخطوط السعودية أن يتم تطييب خواطرهم بتصريح إعلامي أو وعود مستقبلية، بل نحتاج أولا إلى توضيح ما الذي كان يحدث طوال هذه السنوات والأسباب التي صنعت كل هذا الخراب وكل تلك المواقف التي لا مبرر لها، وما الذي أحدث كل هذا التردي في مطاراتنا وجعلها تبدو بهذا الشكل البدائي، لأننا لا نطمح الآن في حل مباشر بقدر ما أننا نطمح أولا إلى استيعاب ما يحدث.
القول بأن الخطوط السعودية تعاني من كونها مثقلة بالخسائر بسبب الأسعار المتدنية لتذاكرها أو أنها تقع تحت ضغط وزارات وجهات حكومية، أو غير ذلك من الحجج التي كانت تجد رواجا اجتماعيا هي في الواقع إنما شاعت وازدهرت نتيجة البحث الاجتماعي عن تفسيرات لما يحدث، إذ باتت الخطوط السعودية لغزا جديرا بالتأمل وابتكار الإجابات مهما كانت سطحية وغامضة، وهو جزء من مسؤولية الخطوط وإدارتها.
في باب الرسالة والرؤية الخاص بالهيئة العامة للطيران المدني يجد القاريء نفسه أمام جمل عامة ومتهالكة، وأهداف لا يمكن قياسها مما يعني أن الارتباك في الرؤية ليس مجرد حدث في مطار، ولكنه في البنية الكبرى للهيئة، فالطيران بالنسبة لهم لا يعدو كونه وسيلة نقل يدفع الناس تكلفتها ثم تنقلهم من مكان إلى آخر، في حال إذا توفر ذلك، فيما أن خطوط الطيران في كل دولة هي مظهر من مظاهر الاستقرار التنموي.
التجارب التي شهدها الطيران الاقتصادي في السعودية يعود فشلها في جانب كبير منه إلى البنية الخاصة بالطيران لدينا لم تستوعب (الناقل الوحيد) فكيف لها أن تستوعب أكثر من ناقل، وتجربة استئجار الطائرات التركية وما تحمله من شواهد على رداءة التفكير في الحلول والواقع الذي يزداد سوءا يجعلنا نطالب أولا بفك هذا اللغز قبل التفكير في وضع نهاية لهذا الضجر.