رغم الآمال التي لا تزال لدى اليساريين في إيران لاحتمال دخول أكبر هاشمي رفسنجاني الانتخابات الرئاسية، فإن الواقع يقول شيئا آخر. يبدو أن فرص تدخل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لم تعد موجودة، ويبدو أن الانتخابات سوف تستمر بالثمانية مرشحين الذين صادق عليهم مجلس صيانة الدستور.
آية الله خامنئي تدخل مرة منذ 8 سنوات لصالح الدكتور معين، وكان مرشحا إصلاحيا رفض مجلس صيانة الدستور المصادقة عليه، لكن تدخل خامنئي أعاده إلى السباق الانتخابي. كان من الواضح أن الدكتور معين لن يستطيع أن يجتذب الجماهير وأن يصبح منافسا رئيسيا، لكن تدخل المرشد الأعلى جاء تعبيرا عن بادرة حسن نية تجاه ما كان الدكتور معين يمثله.
لكن تدخل خامنئي اليوم يمكن أن يغير قواعد اللعبة، ولذلك فإن الكثيرين من المحافظين في الحرس الثوري الإيراني والمؤسسات الإيرانية الأخرى سيتصدون لقرار تدخل المرشد الأعلى لمصلحة رفسنجاني في حال قرر اتخاذه. ردة فعل رفسنجاني على قرار استبعاده من السباق الرئاسي كانت حكيمة. حتى ما قاله الرئيس أحمدي نجاد حول استبعاد مساعده رحيم مشائي كان عاطفيا أكثر منه موقف مواجهة. من المبكر القول فيما إذا كان الرئيس نجاد سيفعل شيئا آخر لمساعدة مشائي على العودة إلى الانتخابات.
ترشيح مشائي كان يمكن أن يشعل الحماس في مسار الانتخابات لأنه يمتلك الكاريزما والقدرة على التأثير بشكل جيد. قرب مشائي من الرئيس نجاد على مدى 8 سنوات أعطى فرصة لقادة الحرس الثوري ومعسكر خامنئي كي يتعرفوا عليه وعلى أفكاره عن قرب. كان واضحا أنهم لن يسمحوا لمساعد نجاد بالترشح، لأنهم يريدون شخصا يضع حدا لحكم الرئيس نجاد، لا أن يجعله يستمر عمليا.
أما بالنسة لرفسنجاني فإن الموقف مختلف. رفسنجاني هو شهادة ميلاد الثورة الإسلامية. رجل معروف في الساحة السياسية بأنه يعرف متى يتحرك وكيف يبقى في السلطة. أكبر أخطاء رفسنجاني ربما كانت صداقته مع خامنئي. رفسنجاني هو الذي ساعد آية الله خامنئي على القدوم إلى طهران وعرفه على آية الله الخميني، وعمل على تقوية علاقتهما وإتاحة الفرصة لتعزيز نفوذ خامنئي. هذان الرجلان، رفسنجاني وخامنئي، كانا يعتبران مثل الإخوة التوأم وحصلا على ثقة قائد الثورة ومؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله الخميني، ولذلك سرعان ما تنامى نفوذهما داخل أجهزة ومؤسسات الدولة. ولا حاجة للقول مرة أخرى إن رفسنجاني يقف وراء تعيين خامنئي مرشدا أعلى للثورة بعد الخميني.
بعد وصوله إلى السلطة، عمل خامنئي على تنمية وزيادة سلطاته السياسية على حساب أجهزة الدولة الأخرى مثل رئاسة الجمهورية والبرلمان. ابنة آية الله الخميني، زهراء، كتبت رسالة إلى المرشد الأعلى خامنئي وإلى مجلس صيانة الدستور أعربت فيها عن تأييدها لترشيح رفسنجاني، وذكرت المرشد الأعلى عن مدى قرب رفسنجاني من والدها والدور الذي لعبه من أجل نجاح الثورة. ومع أن تيار المحافظين في النظام الإيراني عمل على إبعاد عائلة الخميني تماما عن مسرح السلطة السياسية في البلد بسبب ارتباطات العائلة مع التيار الإصلاحي، خاصة معسكر الرئيس السابق محمد خاتمي، إلا أن زهراء اختارت أن تعرض سمعتها للخطر من خلال دعمها لإعادة أكبر هاشمي رفسنجاني إلى سباق الرئاسة، ومع ذلك فإنها لم تنجح في مسعاها.
تغير الوضع في إيران كثيرا الآن، ولم تعد أسرة الخميني ومساعدوه المقربون السابقون يحتلون مراكز حساسة كما كان عليه الأمر من قبل. وقت الثورة انتهى ودخلت إيران عهدا جديدا. المتشددون والحرس الثوري يسيطرون شيئا فشيئا على مؤسسات الدولة وسرعان ما يكتمل ذلك إذا بقي البلد سائرا بنفس الاتجاه. أكبر هاشمي رفسنجاني ربما كان يمثل آخر جبهة قادرة على أن تتعامل معهم بالطريقة التي يفهمونها. إذا لم يستطع هو أن يحتوي تنين الحرس الثوري الذي يزداد قوة وشراسة بشكل يومي فلن يستطيع أحد أن يفعل ذلك من القادة السياسيين الموجودين حاليا. هذا التنين ربما يبتلع في النهاية حتى إرث وذكرى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لبناء جمهورية تخضع لسيطرتهم وتكون حصة الشعب فيها قليلة.
توقعات المشاركة الجماهيرية في الانتخابات مع هؤلاء المرشحين الثمانية قليلة جدا. الناس فقدوا اهتمامهم وأملهم بإحداث أي تغيير في هذا النظام، وهم لن يخاطروا بحياتهم لإصلاح ما لا يمكن إصلاحه ما لم يتدخل المرشد الأعلى بنفسه للقيام بذلك.
منذ 32 سنة تقريبا مات آخر ملوك إيران، الشاه محمد رضا بهلوي. ومع أن الإيرانيين الذين ينتمون إلى الأجيال الشابة الحالية لم يعاصروه ولم تكن لديهم فرصة حتى ليروه، إلا أن ما قرأوه عنه وما سمعوه من آبائهم يجعل جزءا لا بأس به منهم على الأقل يتمنون لو أنهم عاشوا في عهده، أو أنه عاش ليحكم البلد. الإيرانيون فقدوا أملهم بإحداث أي تغيير بأي شكل من الأشكال في ظل النظام الحاكم. لكنهم لم يفقدوا أملهم بالمستقبل. الإيرانيون شعب معروف بصبرهم، لكنهم في نفس الوقت يقظون ويعرفون ما يجري حولهم تماما.