من الملتقى التنسيقي للجامعات والمؤسسات المعنية باللغة العربية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والذي نظمه مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية مؤخراً بمدينة الرياض؛ أنطلق معكم لعدة منعطفات لم يتناولها إعلامنا، سوى أخبارٍ مقتضبة تقتضيها مهنية الصحافة، فآثرت أن يكون مقالي توصيفاً للملتقى في نقاط؛ وفاءً للغتنا السرمدية وشدهاً بتنظيم الملتقى وأهدافه، وعلاقة يحفها الحب والمسؤولية معاً!
• بدء جمال الملتقى كان من فكرته، حيث انطلق من أن دول الخليج العربية هي موطن للضاد ومسؤوليته، وبما أنه يضم عشرات المؤسسات والجامعات والمراكز الخادمة للعربية، وفي مجملها تقوم باجتهادات تسهم في تثبيت الهوية اللغوية، لكنه قد يعوزها التنسيق والتكامل البينيّ، ولا سيما أن خليجنا مر بتطوّرات اقتصادية واجتماعية وإعلامية وإلكترونية مختلفة قد (تزيد) حملاً على "ضادنا"، ومن هنا ظهر في الملتقى الحاجة إلى استشراف المستقبل، ووضع الخطط والمبادرات المتميّزة الكفيلة بتثبيت الهوية اللغوية العربية في دول الخليج أولاً.
• جمع المنظمات والمؤسسات الخليجية المعنية باللغة العربية في مكانٍ واحدٍ لمناقشة واقع "العربية" في دول الخليج هو دعمٌ لمكانتها، وتحفيزٌ لتعاونها، وخروجٌ بأهدافٍ مشتركة تتضافر الجهود لتحقيقها بإيجاد آليات منسقة تكامليّة بين الجهات الخليجية المعنيّة وتعميم التجارب الناجحة في دول الخليج، وإتاحتها للاستفادة منها، مع بحثٍ للمشروعات والبرامج النوعية الرائدة التي تسهم في خدمة العربية بكل الاتجاهات.
• الملتقى استضاف المراكز والجامعات والمؤسسات الخادمة - بصورة مباشرة - للغتنا العربية في دول الخليج، مع نخبة من المختصين من هذه الدول، ولكنه طعمها بعلماء وباحثين من جميع دول العالم الناطقة بالعربية أو المهتمة بها ليخرج بناتج خمس ندوات وست جلسات نقاش ذات تخصصات متنوعة تهدف إلى معالجة قضايا واهتمامات عامة تتصل بـ"العربية" على مستوى الوطن العربي، والعالمي، قدمها 55 متحدثاً وباحثاً من خمس قارات!
• ندوة تجارب تعليم اللغة العربية خارج البلدان العربية كان أبطالها البروفيسورة باربارا ميخاليك من بولندا، الدكتور خليل لوتاه من الصين، الدكتور إنعام الحق غازي من باكستان، والدكتور أوريل بحر الدين من إندونيسيا، فقد بثوا تجارب دولهم في نشر "العربية" رغم هيمنة الإنجليزية فيها، وأجمعوا رغم المعوقات على أن "العربية" تحظى بإقبال كبير من الشعوب والجامعات، كونها رابع أكبر لغة في العالم، ولكنهم وبلغة أمل؛ ناقشوا احتياجات دولهم إلى مزيد من الجهود من أجل نشر لغة القرآن في دول العالم، معوّلين على الجميع بإنتاج مناهج تكامليّة متطورة، وخلق طرائق تدريس حديثة لغير الناطقين بالعربية بمراعاة للخصوصيّة الثقافيّة للبيئات المختلفة.
• تميزت محاور الملتقى والجلسات النقاشية، باستخلاص التوصيات، ثم العزم القوي الواضح بالمشاركة في تفعيل المبادرات، وتحقيق المشروعات وشراكة مع الأفكار الخلاقة لتكوين وعي لغويّ بتكاملية المشاريع والبرامج نحو صيغة عالميّة تكفل لـ"العربية" التماسك، واقتراح حلولٍ لمعوقات "الضاد" ببرامج تُنفذ لخلق وعيّ اجتماعي وليس نخبوي للغة فحسب.
• باختصار، مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية خطوة وطنية مباركة في الاتجاه الصحيح، بتأسيسه أولاً لمظلة وطنيّة عالميّة ترعى اللغة العربية، فتخصص المركز في خدمة "العربية" يعني الإيمان أولاً بخصوصية انتماء المركز، ثم انطلاقته بخطى ثابتة ملموسة من الداخل إلى الخارج لتصبح برامجه وأنشطته متفقة مع الإطار الدولي العام، وبكل أمانة فجميع المبادرات (العملية) والتطبيقية التي قدمها المركز حتى الآن تفتح باباً كبيراً من التفاؤل والتطلع المشرّف لمركز وطنيّ دوليّ يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين ليخدم أغلى لسان وحرف.
• آخر منعطف، يبهرك الحضور المنظم والأنموذج المشرف لتنظيم الملتقى، فإنصافاً ووفاءً نشكر جميع القائمين على مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية الذين تميزوا باحترافية الأدباء مع المشاركين والمدعوين بأناقة التواصل، وحماسة تكامليّة تتناثر في كل اتجاهات الملتقى وزواياه وبين حروف مشاركاته ورؤى مناقشاته.. باختصار عندما تكون الرسالة الموجودة (عملية) والأهداف واضحة (تطبيقية) فقطف ثمارها نجده يانعاً يسر الناظرين والناطقين!