بوسعنا أن نصف واقعة اختطاف الجنود المصريين بيد الجماعات الإرهابية في سيناء بمثابة (واقعة كاشفة) لصراع شرس تجري فصوله خلف الكواليس بين المؤسستين العسكرية والرئاسية وخلفها جماعة الإخوان المسلمين، فما سُرب من معلومات في هذا السياق يؤكد أن تصريحات الرئيس مرسي التي نفى فيها وجود خلاف بين مؤسسات الدولة بشأن التعامل مع قضية الجنود المختطفين، ربما تعني العكس تمامًا.
وعقب إطلاق الجنود المختطفين تسابق الجميع للحفاوة بالأمر، فالنجاح له ألف صاحب، لكن يبقى السؤال عما إذا كانت تلك نهاية المطاف بشأن استراتيجية التعامل مع عشرات التنظيمات الموسومة بـ"السلفية الجهادية"، والتي تستلهم أفكار وسلوك "القاعدة"، وقد اعترف وزير الداخلية المصري أنها تمتلك قدرات تسليحية بالغة الخطورة حصلت عليها من ليبيا غربًا وغزة شرقًا، وبالتالي فإن واقعة الاختطاف أو غيرها من الجرائم يمكن أن تكرر بسيناريوهات شتى، ولدوافع لم تعد خافية.
نعم لم تعد أهداف هذه الجماعات ومن يحركونها سرا، بل يأتي في صدارتها: استنزاف الجيش ووضعه على المحك تلو الآخر، حتى يبتعد عما يجري من تجاذبات وصراعات على الساحة السياسية، في ظل تصاعد حملة "التمرد" التي اكتسبت زخما شعبيا لا يُستهان به.
وبعدما سربت مصادر أمنية معلومات حول المتهمين في قضية اختطاف الجنود، والاعتداء على قسم شرطة العريش، أشارت إلى القيادي الحمساوي ممتاز دغمش الذي يوصف برجل "حماس" السّري لدى "الإخوان"، وتربطه صلة وثيقة برجل الجماعة القوي خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان، و"الصندوق الأسود" للتنظيم.
ووفقًا لمعلومات أمنية رسمية فإن دغمش مطلوب في 7 قضايا، أبرزها تفجير "كنيسة القديسين" بالإسكندرية، ومع ذلك فقد دخل مصر مرتين خلال الأشهر الثلاثة الماضية والتقى الشاطر، وكان دغمش أيضًا مهندس اختطاف الصحفي البريطاني آلان جونسون، وتقاضى 5 ملايين دولار لإطلاقه.
ويرى مراقبون للشأن المصري أن "الجماعات الجهادية" في سيناء باتت تُشّكل التحدي الأخطر سواء للرئيس مرسي وجماعة الإخوان، أو للجيش أيضا، وفي هذا السياق أصدر أحدها وهو "التوحيد والجهاد" فتوى مفادها أن "كل من يلتحق بالجيش (كافر) حتى لو كان إماماً لمسجد، وبرر فتواه بأن الجيش وتد الحاكم وناصره، والمدافع عنه والسد المنيع له، ولا عذر لأحد ولو كان طبيباً، لأن الكل يخضع للأوامر، ومن التحق ولو سنة واحدة إجبارياً فشأنه شأن الجندي المحترف". وأضاف التنظيم في فتواه التي تناقلتها شبكات التواصل الإلكترونية أن: "مصر الآن دولة كفر، على الرغم من أن الأغلبية مسلمة، لأنها تحكم بما تحكم به أميركا وإسبانيا وألمانيا وفرنسا، ولا فرق بين محمد مرسي وأوباما في الحكم بالكفر".
وتسود مخاوف في الشارع المصري بأن خطف الجنود وإطلاقهم واقعة لها دلالات أبعد من الجريمة، فهناك مخططات لتدشين سيناء كإمارة إسلامية تندمج مع غزة، وإحراج الجيش حتى لا يساند أي تحرك شعبي ضد الإخوان، بل وذهب البعض لحد الإشارة بأصابع الاتهام للجماعة بالتورط في وقائع قتل أو اختطاف الجنود المصريين للإيحاء بأن قادة الجيش عاجزون عن حماية الأمن في سيناء، وبالتالي يجد الرئيس مبررًا للإطاحة بهم.
على الجانب الآخر فإن إسرائيل ترصد كل ما يجري في سيناء بدقة، فقد نشرت صحيفة "هاآرتس" تقريرًا زعمت فيه وجود خلاف محتدم بين الرئيس وقادة الجيش حول مسألة تطهير سيناء من الخلايا الجهادية، قائلة إن سبب الخلاف ليس اختطاف الجنود فحسب، بل أيضًا لأن الجيش هدم مئات الأنفاق بين غزة وسيناء دون موافقة مرسي، واعتزام الحكومة إقامة مراكز تجارية بمنطقة قناة السويس، وهو ما يتحفظ عليه الجيش الذي يعتبرها "منطقة استراتيجية" تخضع لهيمنته، الأمر الذي يحتج عليه الإخوان الذين نشروا بياناً ورد فيه أن معارضة الجيش لتطوير منطقة القناة تنبع من رغبته بالحفاظ على المصالح الأمنية الإسرائيلية، والمصالح الاقتصادية لدول أخرى في المنطقة، الأمر الذي ينفيه الجيش بحسم.