علي حسن السعدني


تزخر الحياة بالكثير من النماذج المضيئة التي استطاعت أن تتحدى العقبات فلم تيأس ولم تستسلم حتى حققت أهدافها وبنت لنفسها مكانًا عظيمًا، فهذه هي "هيلين كيلر" تلك الفتاة التي فقدت عددًا من حواسها الأساسية، وعلى الرغم من ذلك تمكنت من النبوغ وحفرت لنفسها مكاناً مميزاً في المجتمع تفوقت به على كثير ممن يملكون حواسهم كاملة، ولا يستطيعون أن يحققوا أي شيء في حياتهم.

تقول هيلين كيلر: "إن العمى ليس بشيء، وإن الصمم ليس بشيء، فكلنا في حقيقة الأمر عمي وصم عن الجلائل الخالدة في هذا الكون العظيم"، وفي أحد كتبها تقدم نصيحة لكل بائس تقول فيها "كن منشرح الصدر دائماً ولا تفكر في إخفاقات اليوم، ولكن اهتم بالنجاحات التي ربما تأتي في الغد القريب". وتطلق دعوة إلى عدم اليأس حين تقول "يتعجب كثير من الناس عندما أقول لهم إني سعيدة، فهم يتخيلون أن النقص في حواسي عبء كبير على ذهني يربطني دائماً بصخرة اليأس، ومع ذلك فإنه يبدو لي أن علاقة السعادة بالحواس صغيرة جداً، فإننا إذا قررنا في أذهاننا أن هذا العالم تافه يسير جزافاً بلا غاية، فإنه يبقى كذلك ولم تتبدل صورته، بينما نحن إذا اعتقدنا أن هذا العالم لنا خاصة وأن الشمس والقمر يتعلقان في الفضاء لنتمتع بهما، فإن هذا الاعتقاد يملأنا سروراً، لأن نفوسنا تتمجد بالخلق وتسر به كأنها نفس رجل الفن. والحق أنه مما يكسب هذه الحياة كرامة ووجاهة أن نعتقد أننا ولدنا لكي نؤدي أغراضاً سامية وأن لنا حظاً يتجاوز الحياة المادية". وانظر أيضًا إلى الزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، الذي ظل يناضل في بلاده ضد التفرقة العنصرية حتى أودع في السجن، ورغم ذلك لم ييأس ولم يحبط وإنما ظل يناضل حتى تحقق له النجاح واستطاع أن يغير واقعه وواقع بلاده ويخرج من السجن ويعتلي أرفع المناصب. وتكثر في مجتمعاتنا العربية تلك النماذج التي استطاعت قهر الصعاب والوصول إلى القمة، فهذا هو عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي قهر الإعاقة وحقق مكانة مرموقة في عالم الأدب، وانظر أيضا إلى عملاق الأدب العربي عباس محمود العقاد الذي قهر الفقر واستطاع أن يعلم ويثقف نفسه بنفسه حتى صار صاحب مكانة كبيرة بين الأدباء. والآن ماذا ينقصك لتكون واحدًا من هؤلاء؟