اطلعت في "الوطن" بعددها الصادر في 16 /2 /1434، على مقال للكاتب علي بن سعد الموسى، بعنوان: "جامعة لتعليم الإقصاء والكراهية". وبعد القراءة وجدت أن الكاتب قد وقع في العديد من المغالطات والأخطاء التي تسم جامعاتنا بما ليس فيها، أو لعل المعلومات لم تكن كاملة عند تدوينه لذلك المقال. وعموما سأعرض ما وجدته على تلك المقالة من ملاحظات:
1. استند الكاتب في مقالته على تغريدات في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر)؛ استعرضت مقررا في إحدى الجامعات. إلا أن الكاتب استند على العمومية التي جعلت كلامه شاملا لكل الجامعات. إضافة إلى أن ما يرد في تويتر عرضة للتحريف والتدليس والانتقائية التي يكون هدفها الضرر لا المصلحة، أو مجرد تشويه الصورة، وقد حوى ذلك الموقع العديد من المعلومات التي تحتاج إلى توثيق. وعدم تقيد الكاتب بالدقة جعل المقالة تقع في إشكالات -سأوضحها لاحقا- وكان الأولى بالكاتب أن يستند إلى مصدر رسمي أو موثوق.
2. قال الكاتب: "هل عرض هذا الكتاب المقرر، كما تقتضي أعراف الجامعة، على اللجان والمتخصصين قبل اعتماده كمقرر أكاديمي؟ هل يعلم عميد الكلية ورئيس القسم المتخصص عن تدريس هذا الكتاب كمقرر؟". وهنا أقول: إن مفردات المقررات بكافة تفاصيلها وتفريعاتها، ومصادرها، مقرة في الجهات الرسمية في الجامعات، ابتداء من القسم العلمي مرورا بمجلس الكلية، ومجلس الجامعة، وانتهاء بمجلس التعليم العالي.
3. قال الموسى: "مخجل جداً، بل من العار الأكاديمي على جامعة سعودية أن تسمح لأستاذ جامعة أن يوزع ورقة الامتحان إلى مئة طالب بعشرة أسئلة تتهم قطاعاً كاملاً من الخريطة الوطنية بالضلال والبدع والشرك قبل أن يأتي إليها الداعية الشهير ليأخذهم من الظلمات إلى النور. مخجل جداً أن تسمح جامعة سعودية لمثل هذا الثلاثي (الأستاذ والكتاب والمادة) كي يتعلم آلاف الطلاب عن وطنهم هذا التزوير الممنهج للتاريخ وهذا التكفير العلني لشريحة واسعة من أبناء هذه الأرض".
وهنا أقول في الرد عليه: إن من أهداف المقررات –وبخاصة التي تتناول أمور العقيدة، وسير العلماء- بيان فضل هذه البلاد وولاة أمرها – جزاهم الله خيرا– في إصلاح المجتمع، وتخليصه مما يشوبه من أمور تنافي تعاليم الدين الإسلامي الصحيح. ويعلم الجميع ما كان سائدا قبل قيام الدولة السعودية – رعاها الله- والدعوة الإصلاحية، من شركيات وجهل وبدع، وكيف سعى حكام هذه البلاد عبر الزمن إلى نشر الدين الصحيح على منهج القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. وذلك لا يعني – بأي حال – الانتقاص من أي فرد من أفراد هذا الوطن، بل إن حرص أولئك الدعاة – وفق توجيهات ولاة الأمر- على نشر العلم الصحيح بين أفراد المجتمع السعودي كافة، أكبر دليل على إعلاء الدولة لشأنهم، وحرصها على ما ينفعهم في الدين والدنيا؛ إذ إنها لم تتجه إلى منطقة واحدة، بل تم عمل ذلك في معظم مناطق المملكة؛ تأكيدا لحرصها على ما ينفع جميع أفراد المجتمع. وذلك محور أساس لم يتنبه إليه الكاتب.
كذلك أسأل الموسى: هل اطلع على الأسئلة الرسمية لتلك الجامعة؛ التي لم يفصح باسمها؛ فإن كان اطلع فلماذا لم يثبت ذلك في مقالته، وإن كان الجواب:"لا"، فلعله اقتصر على ما ورد في تويتر!!!. ولو دون اسم الجامعة لرجعنا جميعا إلى أسئلتها حتى يكون الطرح موضوعيا، والنقد في سبيل إصلاح الخطأ. أما أن ينثر المقال بناء على تغريدات لا تُعلم صحتها، فهذا أمر عاطفي يصبغ المقالة بالذاتية التي لا تتوخى الدقة، وقد أوحى الكاتب بذلك حين قال: "دعونا الآن نودع اللغة العاطفية إلى لغة جادة".! ثم إن طرحه العاطفي تنقضه الإجراءات النظامية في الجامعات السعودية؛ التي تفرض عقد لجان علمية خاصة بالامتحانات لمراجعة الأسئلة، وتدقيقها من جميع النواحي.
4. قال الموسى: "ما المصلحة العامة أو العلمية التي تشحن بها جامعة سعودية آلافاً من طلابها يمرون على هذا الأستاذ وهذا الكتاب وذلك المقرر؟". وهنا أقول: من المهم دراسة تلك الحقبة الزمنية بما فيها من مظاهر شركية في جو أكاديمي تعليمي؛ لإبراز خطورتها، وجهود ولاة الأمر في محاربتها. بيد أن المقال تجاهل ذلك الهدف العلمي، كما تجاهل الموضوع الذي تتعلق به تلك المقررات من بيان جهود علماء هذه البلاد في الدعوة. ولا يخفى على أحد جهود ولاة الأمر – رعاهم الله - في كافة مناطق المملكة دون تفريق بينها.
5. بعد الاطلاع على الأسئلة في التغريدات التي استند إليها الكاتب لم أجد ما يشير إلى أنها الأسئلة الرسمية، وأعتقد جازما أنها من اجتهادات الطلاب وجمعهم، التي تباع في المكتبات، وفي مراكز خدمات الطلاب. وهنا أتعجب من كاتب يحكم على جامعات المملكة العربية السعودية، بما تحمله تلك الجامعات من خبرات تراكمت عبر الزمن، يحكم عليها بانتهاج الإقصاء والكراهية، بالاعتماد على قصاصة من أسئلة غير رسمية وردت كما يقول: "في مواقع التواصل الاجتماعي"!. وكان على الكاتب قبل أن يدون رأيه أن يتأكد هل الأسئلة التي بنى عليها مقالته أسئلة المقرر أم لا؟.
6. لقد اهتمت مقررات العقيدة والتاريخ في الجامعات السعودية كالمقررات التابعة لأقسام التاريخ، وأقسام الدعوة، بإبراز جهود العلماء في كافة مناطق المملكة، والثناء عليهم، وإبراز حرصهم على العلم، والتمسك بالعقيدة الصحيحة، وجهودهم في نشر العقيدة الصحيحة في المملكة والعالم أجمع. وبناء عليه فإن الأسئلة المعتمدة لتلك المقررات ستحتوي على فقرات تشتمل على إشادات متعددة بأولئك العلماء.
7. استند الكاتب على اللغة الخالية من الموضوعية، كقوله واصفا المجالس العلمية المشرفة على التعليم في الجامعة: "هل قرأ هؤلاء ورقة الأسئلة بكل ما فيها من التكفير ونعوت الإقصاء والتصنيف المبنية على خيالات باطلة؟". دون أن يبذل أقل جهد للاطلاع على المادة العلمية للمقررات، وما فيها من بيان جهد هذه الدولة المباركة منذ تأسيسها في نشر الدين الصحيح والعقيدة السليمة، ومحاربة البدع والخرافات؛ التي كانت منتشرة في الجزيرة دون التفريق بين منطقة وأخرى.
8. اتهم الكاتب الجامعات بالإقصاء والتكفير، وتلك تهمة تنقضها جهود الجامعات السعودية؛ فقد تنوعت جهودها المباركة في محاربة الفكر الضال القائم على الإقصاء والعداء، المتمثلة في عقد المؤتمرات والندوات التي تحارب ذلك الفكر الشاذ، وتدعو إلى الحوار والتسامح. وقد شهد العالم أجمع بتلك الجهود، وأثنى عليها العديد من الجهات من داخل المملكة وخارجها. هذا بالإضافة إلى ما تبذله الجامعات من جهود متعددة؛ لتجلية عقيدة السلف النقية؛ المستندة إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. فضلا عن جهودها في خدمة أفراد المجتمع كافة من خلال فتح الفروع، وإتاحة التعليم لكل فرد.
9. اتهم الكاتب الجامعات بالتفريق بين أبناء الوطن وتصنيفهم، وتلك تهمة ينقضها احتضان الجامعات في كافة تخصصاتها للعديد من أبناء الوطن دون التمييز بينهم، سواء على مستوى أعضاء هيئة التدريس ومن في حكمهم، أو الموظفين، أو الطلاب والطالبات. وذلك دليل محسوس على منهجية الجامعات التي تعزز التلاحم الوطني، وتتمسك باللحمة الوطنية تحت قيادة ولاة الأمر، رعاهم الله وحفظهم.
محمد سعود الخريجي
أكاديمي