كم أنت منافقة أيتها السياسة الدولية، ففي وقت تجيّشين فيه العالم لتزيحي ديكتاتور ليبيا بشكل سينمائي تقومين في ذات الوقت بحماية ديكتاتور سورية ليبقى يمثل بجثث شعبه في أطول مسرحية قتل شهدها العصر الحديث.
لم أثق يوما في أكذوبة أن السياسة الدولية تهدف إلى تطبيق العدل وحماية الشعوب وحقوق الإنسان، إلا أنني لم أكن في يوم أتخيل أن دولا تدعي حماية البشر في أفغانستان والبوسنة والعراق؛ يصل بها القبح السياسي بحيث تستمر بلا خجل في استخدام التبريرات اللفظية والتمويه التكتيكي في وقت يموت فيه يوميا عشرات ومئات النساء والأطفال وكبار السن في سورية الحبيبة.
عندما انقلب صدام حسين على سادته لم يستطع الصمود وتآكل تدريجيا ليخرج من حفرة ويصور ذليلا وهو القائد الهمام وسيف العرب الذي اتضح أنه خشبي، إلا أن الأسد الكرتوني الذي يقطن دمشق وربما اللاذقية يبقى على رأس نظام هش سياسيا ولكنه كالضباع ينهش مسعورا في جسد شعبه بحماية أصحاب المصالح في عواصم الغرب ومخابرات العدو الصديق.
لا أعلم حقا كيف يمكن للعرب في مواجهة الشعب السوري بعد أن تزول الغمة وقد اكتفينا كعرب في اللعب بالسياسة التي تديرها مصالح من لا يريد لهذه الحرب التطهيرية أن تتوقف، إما لمصالح التوازنات الإقليمية أو لأهداف اقتصادية تسلحية، وكأنه من الطبيعي أن تكون حياة الشعوب لعبة شطرنج تعيسة.
أعلم أن الأمور معقدة وأن السياسة أعقد من مجرد الكلمات، ولكنني لا أستطيع أن أجد تبريرا لنفسي عندما أطرح عليها المقارنات بين ما يحدث في سورية اليوم وما حدث في الماضي في ليبيا وقبلها العراق مرورا بكل الدول التي أسقط فيها الطغاة، غنيهم وفقيرهم.
في زمن كالذي نعيشه تبقى المثل والأخلاق وحقوق الإنسان مجرد مصطلحات للترويج السياسي والإعلامي لتلهية الناس بأفكار رومانسية بعيدة جدا عن الواقع ولكنها مريحة ومخدرة للنفوس البسيطة، إلا أن العالم يدار للأسف من سياسيين مرضى بطعم الدماء والقتل اليومي، بحيث أصبحنا نحيا في عالم منافق كاذب كافر بكل المثل الأخلاقية والإنسانية التي سعت لإعمار الأرض وللتعايش السلمي.