زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبدالعزيز لتركيا تتزامن مع التطورات المتسارعة والخطيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا فيما يتعلق بالأوضاع في سورية، واستمرار طرح المبادرات الإقليمية والدولية لحل الأزمة التي بلغت مداها. الزيارة المهمة، تأتي أيضا في ظل تعقيدات ملف البرنامج النووي الإيراني، وسطوة مشاريع الاستيطان والتهويد للأراضي الفلسطينية المحتلة.

كلها ملفات شهدت مبادرات ومساعي جديدة تتطلب تنسيق المواقف ووجهات النظر بين البلدين الكبيرين والمحوريين في المنطقة، خصوصا أن الرياض وأنقرة تربطهما علاقات تنسيق وتشاور دائم حول قضايا العالم الإسلامي والعربي، لما تحظى بها السعودية من مكانة سياسية واقتصادية على المستوى الإقليمي والعالمي، إضافة لدورها العربي والإسلامي، وما تشغله تركيا من مكانة في العالم الإسلامي والعربي، فضلا عن موقع تركيا الجغرافي بين قارتي آسيا وأوروبا وعلاقتها الجيوسياسية بالاتحاد الأوروبي. كل هذه المميزات للبلدين مكنتهما من بناء علاقات جيدة تفيد المنطقة وتدعم استقرارها وتقدمها، لأن العلاقة مبنية على تكامل وتنسيق الأدوار وليست على تنافس سلبي على حساب القضايا المصيرية. وهكذا كانت المملكة تقوم بدورها الريادي القيادي في المنطقة دون مزايدات سياسية وتسويق ممجوج.

وفي الوقت الذي يرى فيه محللون أن الحدث التاريخي في العلاقة بين السعودية وتركيا، بدأت بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين لتركيا في أغسطس 2006، إذ كانت أول زيارة من نوعها منذ أربعين عاما، أذنت بتدشين حقبة جديدة من العلاقات بين البلدين، فإن ما تبع تلك الزيارة كان لا يقل أهمية عنها، إذ ظلت العلاقة في تصاعد إيجابي مستمر على كافة المستويات وتحديدا السياسية منها.

تترقب الشعوب العربية اليوم بكثير من التفاؤل نتائج هذه الزيارة المهمة، وكذلك تتطلع الشعوب الأخرى المتعاطفة مع الإنسان السوري المقهور تحت وطأة آلة القمع الأسدية إلى بوادر حل ينهي معاناة الشعب السوري، فضلا عن إيقاف نهم الاستيطان الإسرائيلي للأراضي العربية والإسلامية.

إن الصفحات الناصعة من العمل الدبلوماسي الحكيم بين البلدين وتنسيق المواقف والرؤى المشتركة في مواجهة المشاكل والصعوبات التي تواجه المنطقة لا بد أن تتوج بانتصار سياسي على أزمات المنطقة طالما أن المجتمع الدولي يقف موقف المتفرج على الطغيان وسياسات الشر التي غصت بها المنطقة وإنسانها.

المملكة تولي تركيا اهتماما وتقديرا كبيرين، وما توالي الزيارات بين قيادات الدولتين إلا دليل على ذلك، فلقد كانت تركيا ضمن الدول التي زارها خادم الحرمين الشريفين في عامين متتاليين 2006 و2007.

لو استعرضنا مقومات البلدين السياسية المشتركة، وحجم التبادل التجاري الضخم بينهما، والتعاون العسكري الكبير، ومواقفهما المتطابقة في المنظمات الدولية تجاه قضايا المنطقة إضافة إلى عضويتهما في أقوى وأكبر تجمع اقتصادي عالمي "مجموعة العشرين"، فلن تكفي المساحة لذلك، لكن الإلماحة له ضرورية، لأنها تقودنا إلى أن العلاقات السعودية التركية بما تشكله من نموذج للتكامل، لا بد وأن تنعكس إيجابا على مواقف البلدين تجاه أزمات المنطقة، بشكل إن لم ينه أهمها حاليا وهي الأزمة السورية، فإنه سيقود حتما إلى إنهائها.

أيها السعوديون.. أيها الأتراك.. لقد حان الوقت أن تشد الأيدي الأيدي، وأن تحيط السواعد بالسواعد، لحل أزمات منطقتنا التي نحن أعرف بها من غيرنا.