قبل أن تقرؤوا لأي كاتب رأي، مهما بلغت أو صغرت مكانته ودائرة انتشاره، تذكروا أن كتابة الرأي رهن أساسي لتحويلتين جوهريتين، الأولى: إن كل كاتب رأي له انتماؤه المدرسي ومرجعيته الثقافية وإطاره الفكري حين يحاول أن يقنع عيونكم بالنظر إلى البقعة السوداء في الجدار الأبيض. لا يوجد في عوالم الثقافة والمعرفة كاتب أو مفكر مستقل. الثانية: إن كل كاتب رأي في مشارق الأرض أو مغاربها أو بالضرورة شرق أوسطها رهين وأسير لمحاذير شبكة العلاقات العامة التي تحظر عليه كتابة بعض القضايا حتى ولو كانت تحوم واضحة في السماء مثلما تحوم بالفطرة سحب مايو فوق أبها في موسمها السنوي. لا يوجد كاتب رأي في هذا البلد، أو في غيره، إلا وله علاقة ارتباط على الأقل بوزير وبخمسة من أصحاب النفوذ العالي على المستوى الوطني، ولا يوجد كاتب رأي هنا، أو هناااااك، إلا وهو أسير لثلاثة ملفات أو أربعة (خضراء) على طاولة المسؤول الإداري حتى يسكت الكاتب، نسيت أن أحدثكم عن علاقة الإعلام بهدايا (الإعلان) لأن هذه حتمية بدهية في عوالم الصحافة من (الجارديان) حتى (الواشنطن بوست) فمن هو الرقيب الذي سيسمح بمرور جملة في انتقاد بنك أو شركة تدر عشرة ملايين دولار لهبة الإعلان التجاري في العام الواحد. سأقول لكم إن علاقاتي الشخصية مع زملاء البعثة الدراسية في جامعات الغرب أقفلت أمامي ما لا يكفيه شهر كامل من الكتابة. من زملائي على مقاهي جامعات الابتعاث من أصبح اليوم وزيرا أو صاحب معالي أو مديري جامعات، ومن زملائي الفضلاء، عشرات من أعضاء مجلس الشورى أو حتى مسؤولين بارزين في إدارة العملية التنموية على المستوى الوطني أو حتى على مستوى هذه المدينة.

وسأعترف لكم بما لم يعترف به كاتب رأي من قبلي أن الجوار مع صاحب المعالي في شقتين في بولودر أو كولشستر، أو أن الدعوة إلى وجبة عشاء حميمة مع (سعادة الأمين) سيقفل أمامكم عشرات القضايا المهمة في حياتكم اليومية. نحن معشر كتاب الرأي نقبل برشوة بريئة ولو من باب العشاء أو حتى الابتسامة، كل هذا يحدث معي حتى وأنا المغمور المنسي في شارع مظلم بأقصى أصغر مدينة.