صلب رسالتي المتصلة إلى معالي وزير العمل وإلى قرارات وزارته الموقرة أنني معهم في الجوهر مع الاختلاف في التفاصيل. حتى أطباء الجراحة لا يلجؤون من اللحظة الأولى إلى التخدير والمشرط والاستئصال ويفضلون الجرعة الكيميائية حتى ينكمش (الورم) ويصبح الجسد قادرا على تحمل تكلفة العملية الجراحية. وفي الشرط الأول يجب أن تتمسك الوزارة رغم كل الضغوط بقرار التصحيح لأوضاع بضعة ملايين من العمال، فهذا قرار سيادي وطني لإعادة هيكل الاقتصاد الوطني إلى أيدي الأجيال القادمة. لكن المنطق العقلاني في الشرط الثاني يتطلب من القرار أن يفرق بشكل واضح بين كتلتين من الموارد البشرية الوافدة إلى سوق العمل المحلي. بين كتلة الإنتاج التي تبني وتصنع وتشيد وتهندس وبين كتلة (البيزنس) التي لا شغل لديها ولا عمل سوى الجلوس خلف طاولات ملايين المحلات والأسواق في سوق بيع التجزئة.
المواطن سيتحمل تصحيح وقفل ألف دكان بشوارع الحي وكلها لكارتيل (التستر) العلني المكشوف، ولكنه لن يتحمل أن يصل سعر بناء المتر المسطح لمنزله إلى ألفي ريال في التكلفة النهائية. المواطن سيتحمل إغلاق صالون الحلاقة والبقالة والبوفيه ومغسلة الملابس ولكنه لن يستطيع تحمل تكلفة الورشة والمخرطة والسباك وعامل البناء، لأن هذه مهن فشلت فيها كل حلول السعودة.
المواطن لن يتحمل تبعات تصحيح أوضاع العاملين في مصنع البلاط ولكنه يستطيع أن يتحمل تبعات التصحيح في منافذ البيع النهائي لأنه يعرف أنها عملية تستر مكشوفة، مثلما يعرف أن كل تجارة التجزئة لا تحتاج إلى مواهب خارقة. العلاج الكيميائي الذي سيضمن عودة الاقتصاد الوطني لأهله هو أن تصحح أوضاع شوارعنا التجارية وأن تصحح أوضاع ملايين الدكاكين، لا أن تضعها مع كوادر الإنتاج والبناء والمهن اليدوية الخالصة في سلة واحدة بقرار من لغة واحدة. قرار التصحيح هو أن يعرف آلاف المستقدمين وملايين الوافدين أن حاجتنا من الوافد الأجنبي هو أن يعمل في ورشة أو عمارة أو مصنع لا أن يفتح دكانا بالتستر المكشوف الذي يبدو كل رأسماله الذهني مجرد الضرب على آلة حاسبة.