وتقول خيوط القصة المؤكدة بين يدي اليوم إن المتسبب في أشهر فضيحة صحية على المستوى الوطني في العام الأخير، لم يكن إلا شابا سعوديا من خريجي أحد المعاهد أو الكليات الصحية الخاصة، وربما لو بحثنا بعمق في صدق الوثائق والشهادات لاكتشفنا أن حصوله مع آلاف من مثله على هذا الدبلوم الواهم كان بطرق ملتوية ليس فيها حتى الحد الأدنى من المعايير الأكاديمية، لأن ما تحت هذا الحد، وبالبراهين التي لن ينكرها أحد أن شراء شهادة من بعض هذه الكليات أو المعاهد الخاصة لا يحتاج لشيء أكثر من الحاجة إلى سيولة مادية تدفع قيمة الرسوم خلال سنوات الدراسة الوهمية.

يبقى السؤال: كيف وصل مثل هذا، ومثله بالآلاف، إلى الوظيفة الرسمية ليمارسوا على أجسادنا أخطر أمورنا الصحية؟

والجواب لا يتعدى الضغط الشعبي والإعلامي حين كبرت كرة (النار)، ووصل خريجو هذه الكليات من العاطلين إلى ما يقرب من مئة ألف شاب. والذي أعرفه أن وزارة الصحة قاومت هذه الضغوط لسنوات قبل أن ينفجر السد الهادر، ثم تضطر الوزارة إلى إدراجهم بشرط إعادة التدريب والتأهيل لعامين، ولكن: في المختبرات والأجنحة وغرف التشخيص وجوار أسرة المرضى، ولم يستطع أحد أن يوقف هذه الكارثة. والضحية الأساسي بجوار المريض، مثلما كان في قصة نقل الدم الملوث الشهيرة، لم يكن هؤلاء المرضى فحسب، بل أيضاً آلاف الشباب الآخرين من زملائهم بهذه الكليات، لأنني أعرف منهم من جاء إلي ليستعرض مشكلته حين يصادر التعليم الطبي الخاص هذه المعايير حتى أصبح لا فرق بين نيل الشهادة وشراء الشهادة.