إن مما جرت به العادة في السابق أن يعمد سكان شبه الجزيرة العربية إلى تأريخ الولادات وأبرز الأحداث السعيدة أو الحزينة من خلال ربطها بالأحداث العامة التي تمر بهم، مثل انتشار الأوبئة أو المجاعات أو وقوع الحروب، أو ربط ذلك بموت كبير. وقد شاع ذلك في المنطقة ربما بسبب غلبة الأمية، ثم لعدم وجود مؤسسات للدولة في بعض المناطق القبلية.. وهكذا صار كثير من الحوادث الخاصة والعامة لدى عدد من الأفراد والأسر مؤرخا بسنة "الصخونة"، أو سنة "الجدري"، أو سنة "الطاعون"، أو سنة "الغرقة"، أو سنة "الرحمة"، أو سنة "الدبا"، وهو الجراد، لكن حتى مع توفر المؤسسات المدنية وترسخ الأنظمة ووجود المأسسة إلا أن الحوادث الجسام أو التحولات البارزة تفرض نفسها كتقويم عام يتكئ عليه الكثير من الناس في تدوين أو توثيق ذكرياتهم وإبراز أحداثهم الخاصة والعامة، ومن ذلك ربط كثير من الناس بعض الأحداث بحرب الخليج الأولى، أو بحرب الخليج الثانية إثر غزو العراق للكويت.. ومن العلامات الفارقة أحداث 11 سبتمبر التي صارت ورقة بارزة في التقويم الحديث، ثم ما تبعها من غزو العراق، وأخيراً فإن الربيع العربي والتحولات التي مرت ببعض دوله ستكون تأريخاً عاماً لكل العرب، وستكون تاريخاً خاصاً لأهل البلد الذي اجتاحه هذا الربيع!
نحن هنا في المملكة ـ ولله الحمد ـ نعيش بمنأى عن الحروب والمجاعات، لكننا صرنا في الآونة الأخيرة نمر ببعض الأوبئة التي تعبر سريعاً لكنها تثير القلق وتبث الهلع في نفوس الناس، وما ذلك إلا لغياب الحملة الإعلامية المدروسة التي تتواكب مع هذه الأحداث، بحيث تتم إدارتها على نحو لا يفزع الناس ويربكهم ولا يدعهم بالمقابل حائرين "يحسبون كل صيحة عليهم".
كلنا نتذكر القلق الذي جاء متزامناً مع حمى الوادي المتصدع، ثم تلته المخاوف من إنفلونزا الطيور والخنازير، وها نحن نعيش هذه الأيام متحفزين وحذرين من انتشار مرض "الكورونا" الذي حصد عددا من الوفيات، ثم لا نجد أن الناس محيطون بهذا الداء وأسبابه وطرق الوقاية منه وحجم تغلغله في المنطقة وأسباب ظهوره، وهل أنه حقيقة تحت السيطرة.
أظن أنه يقع على عاتق وزارة الصحة في مثل هذه الحالات الوبائية دور ريادي هام، ينطلق من ضرورة إيجاد مركز إعلامي ثابت في منطقة انتشار الوباء، ويتم تكليف أحد المتخصصين ليكون متحـدثاً رسمياً يتولى بث رسالة يومية من موقع الحدث عبر كل وسائل الإعلام والوسائط الإعلامية التقليدية والحديثة.
أعلم أن هناك من قد يرى عدم التهويل لئلا يصاب الناس بالفزع، لكن بالمقابل فإن مثل هذه الحوادث هي فرصة حتى مع سلبيتها لبناء الوعي الوطني من خلال استنفار الهمم وتعزيز الثقافة الشعبية طبياً، كما أنها فرصة لخـلق وتكريس فضيلة التطوع عبر إشراك الناس في هذا الهم الجمعي والوطني وتعزيزه في كل المناطق وعند المواطنين والمقيمين.
إنها فرصة سانحة لبث الوعي والتعريف بكثير من الأنماط والسلوكيات الوقائية، وتعويد القطاعات الحكومية على الحضور الذهني واللياقي لمثل هذه المناسبات بما يعكس الحالة الراهنة في كل المجالات والقطاعات، ولا أخص هنا وزارة الصحة، وإنما أوردتها نموذجاً بالنظر إلى كون "كورونا" هو سيد الساحة هذه الأيام، لكن الناس يحتاجون إلى الحضور الرسمي الآني في حالات انقطاع الكهرباء في ذروة شهور الصيف، أو ارتفاع أسعار المواد التموينية، أو كما حدث مع انفجار حافلة الغاز، أو مع ما قد يحدث من نقص وانقطاع إمدادات الماء، أو ما قد تفرضه التقلبات الجوية على الأرصاد من إصدار البيانات المتتابعة لكل المتغيرات المحتملة.. وهكذا فإن مقتضيات الدولة الحديثة توجب الاستعداد لكل الاحتمالات، وأن يكون الجميع في ذروة الجاهزية لأي طارئ خارج الحسبان.