واهم من يربط بين صناعة السينما والميزانيات الهائلة، والرد على ذلك سهل وبسيط.. فالسينما الإيطالية وكذلك التونسية والإيرانية محترمة عالميا رغم أن ميزانياتها المالية متواضعة، فلخلق سينما يجب خلق موضوعات وفق هامش حرية جيد تناقش به قضاياك. الأفكار هي أصل الأشياء لا الأموال.. السينما تشبه الشعر والموسيقى. الفن بمجمله ليس حكرا على جماعات بشرية دون أخرى، لكن هناك من يراكمون رؤيتهم من خلالها ويضيفون لها في كل تجربة، والمعادلة هنا بسيطة جدا.. نزع الصفة التجارية يحررك من الأموال الهائلة. دع عنك هوليوود فهي أقل من أن تنال احترام العالم بوصفها عاصمة سينمائية؛ هي مشروع تسويقي ضخم بلا مواضيع. وفي المهرجانات السينمائية يأتي مهرجان "كان" كأهم المهرجانات وجائزته محترمة، كذلك لجانه التحكيمية، يليه مهرجان برلين.. بمعنى آخر العالم السينمائي يحتقر هوليوود، وشخصيا أعجب كل العجب من عدم قدرة المصريين مثلا على خلق مهرجان سينمائي مميز رغم أن عمر السينما المصرية يوازي عمرها في العالم.. أظن أنهم تورطوا في الدعائية والاستعراضات، ثم إن المجاملات طاغية بشكل واضح، لكن هذه مشاكل بسيطة يمكن تجاوزها بسهولة ويسر، وفي السنوات الأخيرة لم نعد نسمع عن مهرجان القاهرة السينمائي شيئا.. خفت حدة معاركه وتصريحاته، كما أنني لست متأكدا من استمرارية مهرجان الإسكندرية.
أما في الخليج فأعتقد أن المهرجانات السينمائية مسألة بروتوكولية لا أكثر وفرصة للتسويق العالمي، وهذا محزن. لا توجد مؤشرات تنبىء بإيمان حقيقي بأهمية هذا الفن ودوره الحضاري، لكن وجود الشيء أفضل من عدمه، لذلك نأمل أن يتم استثمار هذه اللحظة التاريخية لدعم وتشجيع واستيراد السينما، والعمل على الأفكار لا الشكليات، فالمسألة ليست سجادا أحمر ومؤتمرات صحفية وأخبار علاقات عامة، بل أفكار ملهمة ومميزة ونقاش عميق وإشاعة ثقافة مختلفة وجديدة في مجتمعات ناهضة وشابة تتجه بحق نحو المستقبل، مدفوعة بأحلام عريضة.
غير صحيح ما يشاع عن أهمية وجود أستوديوهات وتقنيين وشركات إنتاج صالات عرض.. أي متحمس بإمكانه صنع ما يشاء، شرط أن يتحرر من وهم ما ذكرت أعلاه.