ما إن تلوح بشائر شهر "رمضان " المبارك حتى تتساقط علينا - من كل حدب وصوب -كسف من الإعلانات عن المسلسلات، ووعود بالحصرية "الرمضانية" على القناة "الفلانية"، أما نظيرتها "العلانية" فلا بد أن تدخل في الماراثون المشهود لتعدك هي أيضا أن مسلسلاتها غييير! أما "بوسترات" المسلسلات فستصبح شئت أم أبيت مثل ظلك ، وستتبعك في كل مكان حتى وأنت تتسوق في المولات ، لتشعر أنك تشبعت ووصلت لمرحلة الامتلاء حتى قبل دخول الشهر الكريم ! تصاحب بورصة المسلسلات بورصة الدعاة الذين يبدأون نشاطهم الرمضاني الحافل بما تريد وتتمنى، وعلى طلبك ؛ من فتاوى إكسبرس إلى أخرى من النوع المطبوخ على نار هادئة، إلى تفسير أحلامك الرمضانية، وكله تحت شعار الهدى والهداية ، وبرامجنا غير في شهر الخير ! وحيا الله ثقافة الاستهلاك حتى وهي تمد يدها العابثة للقنوات الدينية، وتمتطي الدين والتدين دون قليل أو كثيرمن استهجان ! وبوسترات الدعاة – الذين كانوا يوما يحرمون التصوير – تنافس وبقوة بوسترات النجوم وكله يدخل الماراثون الرمضاني ومفيش حد أحسن من حد !! ألسنا نعيش عصر الاستهلاك، فما المانع أن تدخل القنوات الدينية بورصة المشاهدة الرمضانية واستقطاب المتلقي بأحدث تقنيات وآليات ثقافة الاستهلاك؟!

وعودة إلى الدراما الرمضانية التي تسبقها معاركها وسجالاتها وجدلياتها، فمن مطالب بمقاطعة غثها وسمينها ليس فقط في رمضان بل في كافة فصول السنة ، إلى من يطالب اليوم ببرقعتها وأسلمتها أسوة بأسلمة الأدب! رغم الشواهد والأدلة على الفشل الذريع الذي منيت به رابطة الأدب الإسلامي العالمي؛ فلم تخرج علينا بعمل أدبي "يوحد الله" خلّف أصداء أو حقق نجاحا يذكر! وكنت قد كتبت في نشرة نقدية رمضانية العام الماضي أنه لا داعي للحرب على المسلسلات الرمضانية، لأنها كالنار تأكل نفسها بنفسها، وأن كثرة العرض تزهد المتلقي في سلع الدراما الملقاة والمتكدسة على أرصفة الفضائيات كالرز دون عدد؛ أو توقعه في حيرة أي مسلسل يستحق المتابعة واستقطاع الوقت للفرجة فيقرر عدم المتابعة! وجرب فقط أن تجري استطلاعا مصغرا في محيطك لتتأكد من ندرة من يتابع الدراما الرمضانية بحذافيرها، ولعل بعضهم يكتفي بمسلسل واحد فقط! وجلّ ما أقرؤه اليوم من تعليقات للقراء في المواقع المختلفة - وهي وسيلة اليوم لاستطلاع الرأي العام - يؤكد انحسار المتابعة في رمضان، وزهد الناس فيما يقدم لهم من سلع مزجاة تطبخ على نار السرعة والاستعجال، لتلحق بالنزيف السنوي الحصري على الشهر الكريم!

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم بقوة، إذا كان المتلقي زاهدا في السلع فلمن يقدم كل هذا الكم غير المسبوق من المسلسلات؟!