بعد عشرين عاما من سقوط الاتحاد السوفيتي وأكثر من عقد على تبني الولايات المتحدة سياسة القوة العظمى الوحيدة التي ورطتها في حربين في أفغانستان والعراق، عادت دبلوماسية القوى العظمى إلى الأجندة مرة أخرى. المراقبون في واشنطن يراقبون باهتمام موجة الاجتماعات المحمومة بين روسيا والولايات المتحدة والصين التي تتعلق كلها بالشرق الأوسط. ومصادر واشنطن التي تتعامل مع البيت الأبيض أشارت إلى أن الرئيس الأميركي باراك أوباما محبط جدا بسبب الصراع في سورية ويريده أن ينتهي، لكنه يتردد في إنهاء الصراع بالقوة العسكرية الأميركية. أوباما يريد أيضا اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن الواقعيين في إدارته يرون أن خضوعه لأي مطلب أو عمل عدائي يقوم به بنيامين نتنياهو لا يوصل إلى نتيجة.
إذا، مع أنه لا يزال الوقت مبكرا لكتابة نهاية عهد الهيمنة الأميركية الواحدة على الشؤون العالمية، فإن دبلوماسية القوى العظمى الجديدة تبين أن التعاون الاستراتيجي في حل المشاكل الدولية الكبيرة هي على الأقل قيد المحاولة. الولايات المتحدة وروسيا والصين تعمل حاليا بتناغم لوضع نهاية للصراع في سورية وإطلاق جهود جديدة في خطة سلام أكبر في الشرق الأوسط. ومع أن عدم الثقة والشكوك المتبادلة بين الدول العظمى لا تزال عوائق جدية، فإن الواقع فرض عنصر إعادة التفكير.
التداعيات الأخيرة حول استخدام الأسلحة الكيماوية من قبل الجيش السوري، أو المتمردين، أو كلاهما، كانت حافزا قويا لتدخل متجدد للقوى العظمى. بعد ذلك، عندما قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بقصف هدفين داخل سورية خلال 48 ساعة، زادت أهمية أن تسرع الولايات المتحدة وروسيا في التدخل. الجامعة العربية بعثت مباشرة رسالة إلى مجلس الأمن الدولي حثت فيه على اتخاذ عمل بخصوص الهجوم الإسرائيلي على سورية، ولكن بدون إصلاح العلاقات الأميركية مع روسيا والصين، لا يمكن القيام بشيء محدد.. فجأة بدأت سلسلة الاجتماعات بين الدول العظمى.
وزير الخارجية الأميركي جون كيري وصل إلى موسكو في 6 مايو وعقد مباحثات لمدة 3 ساعات مع بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف. في مؤتمر صحفي بعد المباحثات المغلقة، أعلن لافروف وكيري رسميا عن عقد مؤتمر جنيف 2 قبل نهاية الشهر الجاري. كيري عبر عن تأييد قوي لتجديد التعاون بين القوى العظمى روسيا والولايات المتحدة، مشيرا إلى التعاون الأميركي - الروسي خلال الحرب العالمية الثانية الذي أدى إلى هزيمة الفاشية. تغيير النبرة الدبلوماسية بين البلدين كان كبيرا وواضحا. كيري ولافروف أوضحا أن الخطر الوشيك للحرب العامة يتطلب التعاون الكامل والتنسيق بين البلدين الكبيرين.
خلال أيام من إعلان كيري - بوتين - لافروف، سافر رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون إلى موسكو وبعد ذلك إلى واشنطن للتأكد من أن بريطانيا سيكون لها مقعد على طاولة مؤتمر جنيف 2.
في نفس اليوم الذي التقى فيه كاميرون مع الرئيس أوباما، بعد اجتماعه مع الرئيس بوتين في منتجع سوتشي، طار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى موسكو للتشاور مع بوتين أيضا. أحد مصادر القلق الرئيسية التي ناقشها الأميركيون والروس كانت الخوف من أن تستمر إسرائيل في الهجوم على سورية، مما قد يشعل حربا بين الدولتين ستنتشر بالتأكيد إلى لبنان والأردن. في أسوأ السيناريوهات، قد تشن إسرائيل أيضا ضربات محدودة ضد إيران بذريعة تسليحها لحزب الله اللبناني بصواريخ تغير قواعد اللعبة، والتي يمكن أن تضرب أهدافا داخل مدن إسرائيل.
زيارة نتنياهو إلى موسكو جاءت بعد زيارته إلى الصين في مايو. كل من نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس كانا في بكين في الوقت نفسه. وفر ذلك الفرصة للرئيس الصيني الجديد لإطلاق جهود جديدة للسلام في الشرق الأوسط تعزز بقوة المطالب الفلسطينية. خلال اجتماعه مع الرئيس عباس، كشف الرئيس الصيني اقتراحا من أربعة نقاط للسلام في الشرق الأوسط يشبه إلى حد كبير مبادرة السلام العربية التي أطلقت في 2002. بعكس محاولات إدارة أوباما الأخيرة لإعادة النظر في مبادرة السلام العربية لمصلحة نتنياهو والمعتدين الإسرائيليين، حافظ المقترح الصيني على العودة إلى حدود 1967، وأصر أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.
في نفس الوقت، أبلغ الصينيون واشنطن وموسكو أنهم يؤيدون عقد مؤتمر جنيف 2. وهكذا ضغطت الدول العظمى الثلاثة مع بعضها في الدعوة إلى وقف القتال في سورية ووضع إطار لسلام طويل المدى في الشرق الأوسط.
نجاح هذه الجهود ليس مضمونا. الصراع في سورية دائر منذ أكثر من سنتين، وقد أصبحت التصدعات الطائفية أقوى وأكثر صعوبة. كلا الطرفين، حتى وقت قريب، كانا مقتنعين بأنهما سينتصران في النهاية ولذلك لم يكونا يرغبان في التفاوض.
بالنسبة للرئيس أوباما، إرثه المستقبلي معلق على تحقيق نجاحات هامة في السياسة الخارجية خلال الشهور القليلة القادمة. هو مقتنع أن نجاح التغيير في سورية بالإضافة إلى الوصول إلى اتفاقية تمنع إيران من الحصول على قنبلة نووية، يمكن أن تحقق له النجاح الذي يطمح إليه. إذا استطاع أن يقوم بجهود حقيقية لاستئناف المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية، فسوف يضيف ذلك نقاطا أخرى إلى إرثه. مسؤول كبير في إدارة أوباما قال لي مؤخرا أن الرئيس مقتنع الآن أنه لا يستطيع أن يحقق أيا من هذه الطموحات دون تعاون روسيا والصين. التاريخ قد يقول أن الأمر تطلب تهديدا وشيكا لحرب واسعة النطاق وفقدان محتمل للهيبة حتى بدأ أوباما بإيجاد نوع من التوازن في الشؤون الدولية والعمل مع القوى الدولية بتناغم. ربما كانت البدائل أكثر قتامة من حتى مجرد التفكير فيها.