أفرز الجهل بالأنظمة وعدم الوعي قصة مأساوية جسدتها حياة أخوين تجاوزا الستين عاماً بلا هوية، إضافة إلى فقدانهما كل مقومات الحياة الكريمة من زواج ووظيفة ومال ومسكن يستظلان به من لهيب الشمس وبرد الشتاء.
ويحكي مرزوق بن عميشان الحويطي أحد أطراف هذه القصة بألم بدايات حياته مع والده الذي أجبرته الظروف على العيش بالصحراء الشمالية بالقريات عام 1386، إذ لم يكن يعلم حينها عن نظام إصدار "التابعية" في ذلك الوقت شيئا، وكان رحّالا خلف ماشيته ينتقل من مكان لآخر بحثا عن الكلأ، وحين توفي لم يكن معه أي إثبات يؤكد جنسيته. ويقول الحويطي بألم "أنا من أبناء هذا الوطن، ووالدي ووالدتي وأجدادي توفوا ودفنوا فيه، ولم يبق إلا أنا وأخي على قيد الحياة، ضعنا ولم يُعترف بنا، انقطعنا عن الزواج ولم يكن لدينا مال، سوى ما يأتينا من أهل الخير الذين أشفقوا علينا واستضافونا في غرفة داخل منزلهم".
وتساءل مرزوق وهو يراقب سنوات عمره الستين تزداد يوماً بعد يوم: من سيقوم على أمري في حال عجزي عن المشي أو احتياجي لمن يخدمني؟ وزاد "حتى المستشفيات لا تقبل بعلاجي لأنني لا أحمل أي إثبات، ولا يوجد عندنا مال نصرف به على أنفسنا، فكل الأماكن لا ترحب بنا". ويضيف أنه يئس من مراجعة الدوائر الحكومية، واستجداء مسؤوليها الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء سؤاله عن سبب عدم وجود هوية له ولأخيه - حسب وصفه-، مؤكدا أن لديه شهودا يثبتون أنه وأخاه من أبناء هذا الوطن.
وفيما يحمل مرزوق بيده مشهداً يؤكد أنه هو وأخوه حسن بن عميشان الحويطي معروفان منذ عام 1376 وعاشا مع إحدى قبائل المنطقة، وأنه لم يبدر منهما مايسيء إلى سمعتيهما، ويتصفان بالسيرة الحسنة والاستقامة وحسن الخلق، إلا أنه أيضاً يشير إلى معاملة أخرى تجاوز عمرها الثلاثين عاماً بحثاً عن الهوية، ويقول "توجد لنا معاملة عمرها ثلاثون عاما للحصول على بطاقة الأحوال، ولدينا صك وأوراق تثبت صحة هذا الكلام، وقد رفعت لحقوق الإنسان عن موضوعي، وشهد الشهود بأننا من مواليد السعودية، وقد ولدت بعين الحواس بالقريات"، خاتماً حديثه المليء بالوجع بسؤاله القديم: متى أحصل على هويتي لأعيش بكرامة؟.
"الوطن" نقلت تساؤلات مرزوق وأخيه إلى المتحدث الرسمي لإدارة الأحوال المدنية محمد الجاسر الذي تحدث باقتضاب عن هذه القضية، مؤكداً أن قضية البدون تتطلب مزيدا من الوقت، لافتاً إلى أنه لم يستجد على هذا الموضوع أي شيء.