ربما تفرض قيود العمل ومتطلبات المهمة على جهاز المباحث أن يكون أكثر أجهزة الدولة "صمتا" وتواريا، حتى أصبح صمته قوة، تطبيقا لمقولة عرّاب المقاومة الفرنسية شارل ديجول "الصمت أقوى أسلحة السلطة".. فمجرد ذكر كلمة "مباحث" يجلب الذعر لمن في "بطنه بلاء".

هذا الجهاز الحكومي الكبير، والكبير جدا، في قطاعيه "العامة والإدارية" صامت؛ لأنه منشغل بالعمل اليومي الدقيق بعيدا عن "الفلاشات" وكثرة التصريحات.

سأتحدث هنا عن قطاع "المباحث الإدارية" الذي تشمل مهامه مكافحة الفساد، والتزوير، والرشوة، والاختلاسات.. مقدما لنا، خلال الأيام الماضية، مجموعة من رؤوس الفساد في منطقة حائل والشمال، التي تحدثت عنها التقارير الصحفية التي نشرتها "الوطن" على صفحتها الأولى.

هذا الصمت أسفر عن إنجازات متوالية تشكل مقاومة حقيقية للفساد. ولن أكون متجاوزا، إن تحدثت هنا باسم كل مواطن سعودي، بالشكر والتقدير على هذه المنجزات التي أسقطت مجموعة من المفسدين، متمنيا – وباسم المواطنين أيضا – أن تتحرك كل إدارات المباحث في كل المناطق لمحاربة الفساد وتقديم أربابه للعدالة، كما فعلت إدارة المباحث الإدارية بحائل.

ولأن كل منطقة من مناطق المملكة الـ13 تحفل بإدارة للمباحث الإدارية، فبإمكان كل مواطن قياس المنجز لكل واحدة منها بحجم القضايا التي تقدمها، والرؤوس التي تقطفها.. ومن "صمت" الأفعال، أنتقل إلى "صوت" الأقوال، متجها إلى محطتي المعتادة "هيئة مكافحة الفساد" متسائلا – كعادتي أيضا - هل كثرة الحديث والتصريحات الصحفية أفقدت "الهيئة" هيبتها؟ وهل توالي "الفلاشات" أحرق وقارها؟ حتى أصبح "أطرف" مدير إدارة "يفغر لها فاه" ردا وتكذيبا، بل وصل الأمر إلى تهديدها واتهام موظفيها بـ"الفساد" كما فعل مدير الأوقاف والمساجد بوادي الدواسر.

وبما أن "الحكمة ضالة المؤمن" أعود لمقولة "ديجول" وأقترح على هيئة مكافحة الفساد، أن تبدأ مرحلة "سلاح الصمت" ولا تتحدث إلا عندما "تقفط لها راسٍ يحمل".