تجربتي في برنامج الثامنة مع داود الشريان، كانت لي أكبر من الظهور للمطالبة بحقي وحق جميع المبتعثين، فعندما تتاح لك فرصة طرح قضيتك في برنامج ذي شعبية كبيرة يشاهده الملايين، فمن الطبيعي أن تحاول جاهداً في ألا تخسر هذه الفرصة، بمحاولة ترتيب الكلام وتدوين النقاط الإيجابية مع التأكيد على أهميتها والتقليل من السلبيات والتأكيد على هامشيتها، لكن ما حدث معي يختلف تماماً عن الطبيعي، فبمجرد معرفتي بخبر ظهوري في برنامج الثامنة للحديث عن مستقبلي الذي بسبب جهل بعض المسؤولين وعدم وجود نظام صريح أصبح للأسف غير واضح المعالم، ولمعرفتي بمجتمعنا الحبيب الذي يترك الأصول دائماً ويبحث عن الفروع، قررت أن لا أغامر بالمشاركة. لذلك دار بيني وبين نفسي حوار لا أستطيع تصنيفه، هل هو تافه؟ هل هو واقعي؟ هل هو مهم؟ حقيقةً لا أعلم، تارة أقول هل أقدم على نزعه الآن؟ هل هو الوقت المناسب؟ ماذا كنت أنتظر؟ هل حان الوقت؟ هل يعد رضوخا لفكر أرفضه تماماً؟ احترت واحتار دليلي ولم أصل إلى قرار. فأجريت ذات الحوار مع أختي الصغرى نجد، كونها أشبه أخواتي بي فكرياً، بدأت بطرح الأسئلة وأجوبتها دون انتظار ردٍ منها، كان الاستغراب والاستنكار أبرز ما في حديثها، لم تتعود نجد مني الاهتمام بالمظهر، لم تتعود مني الحكم على الأشخاص بالمظهر أيضاً، ولم تتعود أن أخفي غير ما أظهر، لكن الموضوع هنا لم يكن تحديا بيني وبين المجتمع، لم يكن عنادا أو إجبارا أو إقناعا أو حتى اقتناع!

كل ما في الأمر أن المنطق والعقل وقانون الجامعات يحتم علي أن أفعل ما فعلت، جميع جامعات العالم لديها قانون في المظهر العام لكل من أراد الانتساب إليها للعمل في المجال الأكاديمي، كأن يكون شكله الخارجي احترافيا، بمعنى ألا يكون في طريقة لبسه أو شكله ما هو خارج عن المألوف، كوجود حلق في الأنف كالزمام، أو حلق في الفم، أو يكون هناك وشم واضح للعيان، هذا كله منطقي ومفهوم، لكن وضعي لم يكن كذلك، فأنا لم أصبح موظفة في السلك الأكاديمي لأي جامعة بعد، وما زاد الطين بلة أنه من غير المؤكد أن أصبح، وهنا مربط الفرس، هل أنزع الحلق تماماً؟ هل أنزعه في الحلقة وألبسه بعدها؟ هل أتركه؟

لم يكن لي خيار، إلا نزعه تماماً، لأني لن أكون بوجهين، ولن أبقي الحلق مكانه، كوني متأكدة أن المجتمع سيترك القضية التي تكبدت عناء سفر 14 ساعة في أقل من ثلاثة أيام من أجلها، ليجتروا في موضع الحلق، فنزعته بعد عشرة 10 سنوات.

تم عرض الحلقة ولله الحمد، لم تكن هناك فروع كي يتمسكون بها، بل الكل تفاعل وكانت أصداؤها جيدة ولله الحمد، لكن المضحك في الموضوع أنه لم يتنبه أحد إلى أن رفيق الـ 10 سنوات رحل، مما جعلني أشك بحكمي على المجتمع، لكن وأنا أتابع "الثامنة" في حلقة حارسات الأمن المفصولات، من جامعة الأميرة نورة اللائي وقع على كل واحدة منهن ظلما وتعسفا لم أرى أو أسمع مثله في وطني، كانت ردود فعل المغردين تنصب على كلمة قالتها إحدى حارسات الأمن بأنهن سبق أن عثرن على أعقاب سجائر وحشيش تحت السلم في جامعة الأميرة نورة، ضاربين عرض الحائط بالموضوع الأساسي الذي قام بإعداده وتنسيقه مجموعة من شباب يفتخر بهم الوطن، مطلقين نعيقا في منتهى السطحية والاستفزاز.

أستغرب جداً من هذه النوعية التي تطلق مثل هذا الكلام العام الشامل والجارح، والمصيبة، بل الطامة الكبرى أنهم يتحدثون من منطلق ديني شرعي، ونسوا أو تناسوا أن هناك فرقا بين كشف المفاسد والتشهير الذي هو فضح أحد أو بعض الأشخاص على الملأ، فيسبب لهم منقصة ويجعل الناس ينفضون من حولهم وتنعدم الثقة بهم، فتشيع شهوة التشفي بهم ويشيع التشاؤم وحمل الناس على التشكيك في الآخرين.

أين هم من قوله تعالى: {ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} الحجرات 11.

يصف علم النفس الشخصية التي تشهر بالناس، بأنها شخصية سيكوباتية تعمل ضد القيم الاجتماعية والأخلاقية، فهي تعاني من بعض العقد النفسية نتيجة التربية الخاطئة، ومن أهمها الشعور بالنقص والدونية أمام الآخرين، فبفلعته هذه يعتقد السيكوباتي أنه استطاع لفت النظر. لكن نسي أن من يشهر بهم قد يكونون أبرياء، فهو خسر نفسه وشوه سمعته قبل سمعتهم، لقوله صلى الله عليهم وسلم: "من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في جوف بيته".