-1-

على العقلانية السياسية، التي تنطلق من الحساب المنطقي للأرباح والخسائر، أن تستوطن العقل السياسي العربي. وأن لا يكون هناك مجال للرغبات الجامحة، والتخيلات الهاذية، وغرائز الموت، في السياسة العربية المتصدية للسلام.

كذلك فإن إظهار المجتمع المدني العربي مشاعر ودية إزاء الآخر الشريك، يكسب المفاوض العربي ثقة الرأي العام العالمي باعتبار هذا الرأي أصبح الآن قوة ضاغطة على حكامه المختلفين.

-2-

في الجانب الآخر، وبما أن أميركا، هي التي تملك الآن مفاتيح السلام في الشرق الأوسط، وتسعى إلى تحقيق هذا السلام لأسباب كثيرة، فإن عليها أن تنتقل من خانة المشاريع الأمنية إلى خانة مشاريع السلام. وعلى أوروبا وباقي دول العالم أن تضغط لتحقيق ذلك. ولكن أميركا وباقي دول العالم، لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً للسلام في الشرق الأوسط ما لم يتعاون الفلسطينيون معهم. فلا يمكن لجانب واحد أن يكون مطالبا بتقديم تنازلات للسلام. فواجب الفلسطينيين من كافة الاتجاهات والمشارب، إصلاح الفساد السياسي والمالي، وإيقاف نهب المال العام والمساعدات التي يقدمها العالم للسكان، فلا يصلهم منها إلا الفتات، وإجراء انتخابات شرعية وتكوين حكومة تضم الفئات التي تقبل التفاوض، كما تضم ممثلي الأجيال الشابة التي أبعدت عن المشاركة في الحياة السياسية، التي احتكرها "الحرس القديم"، الذي تربى في أحضان الحرب السياسية الباردة. ووجد هذا "الحرس" مصاعب للتكيف مع عصر ما بعد نهاية هذه الحرب الباردة، خصوصاً مع حقبة ما بعد 11 سبتمبر2001، التي جعلت اللعب بالإرهاب لعباً بالنار.

وكيفما تحقق السلام، فله ديناميكيته الخاصة التي ستقود إلى المصالحة، والتي لن تتحقق طالما أننا لا نستطيع الاعتراف بالآخر الذي يذلنا ويحتلنا. فالمصالحة مع الآخر في النهاية من أهم الشروط لتحديث الشرق الأوسط الذي ما زال ببُناه الاجتماعية والذهنية يعيش في القرون الوسطى.

-3-

هناك جانب من الفكر السياسي العربي المعاصر، يدعو إلى التدخل الخارجي لإنجاح عملية السلام في الشرق الأوسط، ويعتبر أن هذا التدخل مطلوب في ظل "تقاطع المصالح" التي يشرحها هذا الفكر على الوجه التالي:

1- منذ مطلع القرن العشرين، كانت الأسباب الموجبة للتدخل الخارجي الذي غلب عليه شكل الحرب أسباباً قومية. ومع نهاية الحرب الباردة جدَّ جديد، وهو تقاطع المصلحة القومية مع المصلحة الكونية في التدخل الخارجي. ولكن ما زال الوعي السياسي العربي لم يهضم بعد، هذا المفهوم الجديد.

2- ما زالت معظم المصلحة القومية العربية عمياء، وحصرية، ومعادية للأجنبي، لكنها عندما تتقاطع في قاسم مشترك مع مصالح عدة بلدان، تكفُّ عن التعارض، خاصة في عصر العولمة الذي اندمجت فيه مصالح الاقتصادات القومية في اقتصاد عالمي، ولم تعد السيادة الحصرية ملائمة لمعالجة المشاكل التي تأخذ بخناق البشرية.

3- تشابكت مصالح جميع الأمم، سواء فيما خصّ الاستقرار الإقليمي والدولي، أو سلامة البيئة، أو احترام حقوق الإنسان، والتداول الديمقراطي، إلى درجة أن كل مصلحة قومية أصبحت مفهومة فهماً صحيحاً، وأصبحت الآن مصلحة إقليمية أو دولية بدرجة أو بأخرى، بإمكان أية أمة أن تتعرف على نفسها فيها، ما لم تعصف الهستيريا الجماعية بتوازنها النفسي وذكائها الجمعي وحُسن تدبيرها. فلو تدخلت أميركا –مثلاً - عام 2000 لفرض مقترحات الرئيس كلينتون على الراحل عرفات الذي رفضها ارتجالاً ثم عاد فقبلها ارتجالاً أيضاً في يونيو 2002 بعد أن ضاعت الفرصة، وتغيرت الموازين السياسية، لوفّر على الفلسطينيين التدمير الهائل الذي يتعرضون له الآن. ولكان تدخل أميركا مشروعاً في فرض هذا السلام فرضاً، لأن مصلحة أميركا تتقاطع في هذا السلام مع مصلحة شعوب المنطقة، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني المتضرر الأول من رفض بعض قادته قرار إنهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، للتفرغ إلى مهام التنمية المستديمة.

-4-

ولعل هذا يتطابق تماماً مع ما قاله وزير الخارجية الأميركية الأسبق كولن باول في مؤسسة "هاريتاج"، في ديسمبر 2002، من أن مصلحة أميركا تقتضي نشر السلام في الشرق الأوسط. ومن أن الوقت قد حان لبناء أسس الأمل في بعض دول المنطقة التي أدت بشعوبها إلى غياب الحقوق الاجتماعية، والضمانات القانونية، التي تتمتع بها شعوب مناطق أخرى من العالم.

-5-

إن جانباً من الفكر السياسي العربي المعاصر لا ينكر أبداً، دور التعليم في تمهيد الطريق إلى السلام في الشرق الأوسط. ومن ناحية أخرى، يؤكد أن على الأمم المتحدة ممثلة بلجنة حقوق الإنسان فيها أن توصي بشدة، إدراج مادة حقوق الإنسان، وحقوق الطفل والمرأة والمواطن، في برامج التعليم في العالم العربي. فلا شيء مُجدٍ كتدريس حقوق الإنسان لمكافحة التعصب، واحتقار الحياة.

ولا غنى أيضاً عن إدخال العلوم الإنسانية، إلى جميع فروع التعليم.