عجيبٌ أمر هؤلاء؛ يمارسون كل ما هب ودب، ليل نهار، ثم يتشددون تجاه أي رأي أو انفتاح، والأسوأ من ذلك أنهم يستخدمون الردود المشبعة بالسب والشتم؛ حينما يدافعون عن آراء وعادات لا يطبقونها.

هذا التناقض الاجتماعي ازداد وضوحاً في "تويتر"، حينما تجده يغرّد بآية قرآنية أو حديثٍ شريف، ثم يتبعها بجملٍ تزدحم بأقذر الألفاظ وأحط الأوصاف، مثل من يحارب قيادة المرأة للسيارة، بينما تقود زوجته السيارة خارج البلاد، أو من يتغنى بالوحدة الوطنية، وتغريداته اللاحقة تقطر عنصريةً وطائفيةً مقيتة، أو من لا يمارس أي التزام ديني حقيقي، بينما يدافع باستماتة عن "أدعياء" الدين؛ ممن يوافقونهم الهوى.

والأمثلة متعددة على حالة الانفصال ما بين واقع الشخص وما يصدر عنه، كل ذلك فقط ليحاول تخفيض حدة "التنافر المعرفي" لديه، كما يرى علماء "الاجتماع"، فهو يحس بفجوة ما بين معتقداته وممارسته اليومية، لذا يلجأ لمثل هذا التشدد والهجوم على الآخرين، دون أن يعلم أنه يقع في فخ "النفاق" المنهي عنه دينياً والمستهجن اجتماعياً، وأن تلك الفجوة تزداد اتساعاً مع مرور الوقت!

في العالم المتقدم لا تكاد تجد تلكم الممارسات "النفاقية"، فالفرد يظهر للمجتمع كما يرى هو نفسه، دون رتوش أو اصطناع، ويكون متصالحاً مع نفسه، قبل مجتمعه، مما يجعل "تنافره المعرفي" ضمن حده الأدني، ليستمر عنصر بناءٍ لا هدم.

خلاصة الحديث: إن كنت مؤمناً بأمر ما؛ فكن أول من يلتزم به، هنا وفي الخارج، ولا تكن وصياً على الآخرين بالالتزام بما تراه أنت ولا تلتزم به على أرض الواقع!