نظرات الرأفة.. تفعل بالصغير ما لا تقدر عليها نظرات الغضب.

.. ما إن فرغ الإمام من الصلاة حتى التفت المؤذن عاقِداً حاجبيه.. مُظهراً ملامح الغضب على وجهه قبل حتى أن يقول "أستغفر الله.. أستغفر الله.. أستغفر الله".. فقط لينهر طفلاً بكى أثناء صلاتهم حين كان برفقة والده الذي نال نصيبا هو الآخر من نظرات عتاب المؤذن وبعض المصلين.

بعضنا يريد من "الأطفال" أن يصبحوا "رجالاً" لحظة دخولهم مسجداً أو مكاناً فيه رجال.. ويريدون منهم أن يتصرفوا كما يريد الرجال وكما يفكرون، لا كما تريد عقلية الأطفال ولا كما تدفعهم الفطرة وقلوبهم الصغيرة.. بينما نحفظ جميعاً مقولة أنس رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ونردد دائماً قصة الجارية التي تأخذ بيد حبيبنا صلى الله عليه وسلم وتذهب به حيث تشاء دون أن يمنعها رحمة منه بالصغار.

تعاملُ بعضنا "الغليظ" مع الصغار في المساجد "ربما" يبعد أطفالنا عن حب بيوت الله خوفاً من غضب المصلين، وكأننا لا نقتدي بالرسول الكريم الذي كان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أراد من حوله أن يمنعوهما، أشار إليهم أن دعوهما، وإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره.. وكان أيضاً يدخل في الصلاة وهو يريد أن يطيل فيسمع بكاء الصبي فيجوز في صلاته.

نحث بعضنا على اقتداء سنة المصطفى ونبتعد عنها كثيراً في "بعض" تصرفاتنا.. فننهر الطفل الذي يتحرك في المسجد أمام المصلين، ونعتب على والده الذي أحضره إلى المسجد، بينما كان الأولى أن نفرح بوجودهم ونؤيد فكرة ترغيبهم بالمساجد.

سيدنا وقدوتنا صلى الله عليه وسلم كان يخطب بالناس فجاء الحسن والحسين وعليهما قميصان يعثران فيهما، فقطع خطبته ونزل وحملهما، ثم عاد إلى المنبر، وقال: (صدق الله "إنما أموالكم وأولادكم فتنة".. رأيت هذين يعثران في قميصيهما فلم أصبر حتى قطعت كلامي فحملتهما).

.. قدوتنا كان يقطع الخطبة لأجل الأطفال.. وكان يُكمل خطبته حاملاً الأطفال.. ما أرحمك يا محمد.

(بين قوسين)

المساجد بيوت أرحم الراحمين.. لنُرغب بها أطفالنا بالرحمة لا بالقسوة.